التي في غيرهما يجب العمل بها، إذا صحت أسانيدها، ولا تفيد إلا الظن، فكذا "الصحيحان"، وإنما يفترق "الصحيحان" وغيرهما من الكتب في كون ما فيهما صحيحا، لا يحتاج إلى النظر فيه، بل يجب العمل به مطلقًا، وما كان في غيرهما لا يعمل به حتى يُنظَر، وتوجد فيه شروط الصحيح، ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-. وقد اشتد إنكار ابن بَرْهان الإمام على من قال بما قاله الشيخ، وبالغ في تغليطه، وكذا عاب ابن عبد السلام على ابن الصلاح هذا القول، وقال: إن بعض المعتزلة يرون أن الأمة إذا عملت بحديث اقتضى ذلك القطع بصحّته، قال: وهو مذهب رديء (?).

قال: وأما ما قاله الشيخ رحمه الله في تأويل كلام إمام الحرمين في عدم الحنث، فهو بناء على ما اختاره الشيخ، وأما على مذهب الأكثرين، فيحتمل أنه أراد أنه لا يحنث ظاهرا، ولا يستحب له التزام الحنث، حتى تُستحبَّ له الرجعة، كما لو حلف بمثل ذلك في غير "الصحيحين"، فإنا لا نُحَنِّثه، لكن نَستَحِبّ له الرجعة احتياطا؛ لاحتمال الحنث، وهو احتمالٌ ظاهر، وأما "الصحيحان" فاحتمال الحنث فيهما في غاية من الضعف، فلا تستحب له المراجعة؛ لضعف احتمال موجبها. انتهى كلام النوويّ رحمه الله تعالى (?).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: تَعَقُّب النوويّ ما قاله أبو عمرو بن الصلاح، ودعواه أن المحققين على خلافه، فيه نظر لا يخفى، بل الصواب أن الأكثرين المحقّقين الذين أعطوا المسألة حقّها من البحث مع ابن الصلاح، بل كلّ حديث توفّرت فيه شروط الصحّة، وانتفت عنه العلل له هذا الحكم، فهو يفيد العلم، لا الظنّ، وهذا هو الحقّ الأبلج، والطريق الأبهج، كما سنحقّقه، إن شاء الله تعالى.

قال في "التدريب": قال البلقيني ما قاله النووي، وابن عبد السلام، ومن تبعهما ممنوع، فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرين، مثل قول ابن الصلاح عن جماعة من الشافعية، كأبي إسحاق، وأبي حامد الإسفرائيني، والقاضي أبي الطيب، والشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وعن السرخسي من الحنفية، والقاضي عبد الوهاب من المالكية، وأبي يعلى، وأبي الخطاب، وابن الزاغوني من الحنابلة، وابن فورك، وأكثر أهل الكلام من الأشعرية، وأهل الحديث قاطبة، ومذهب السلف عامة، بل بالغ ابن طاهر المقدسي في "صفة التصوف"، فألحق به ما كان على شرطهما، وإن لم يخرجاه. وقال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015