عنه العلل الظاهرة، ثم إذا زاد على هذا كونه غير مُعَلٍّ، فما المانع من الحكم بصحّته؟ فمجرّد مخالفة أحد رواته لمن هو أوثق منه، أو أكثر عددًا، لا يستلزم الضعف، بل يكون من باب صحيحٍ، وأصحّ.
ثالثها: أن عمل الشيخين في "صحيحيهما" على خلاف ذلك، فقد أخرجا ما وقع فيه مخالفة بعض الرواة لمن هو أرجح منه:
(فمن ذلك): أنّهما أخرجا قصّة جمل جابر -رضي الله عنه- من طرقٍ، وفيها اختلافٌ كثيرٌ في مقدار الثمن، وفي اشتراط ركوبه، وقد رجّح البخاريّ الطرق التي فيها الإشتراط على غيرها، مع تخريج الأمرين، ورجّح أيضًا كون الثمن أوقيّةً، مع تخريجه ما يُخالف ذلك.
(ومن ذلك): أنّ مسلمًا أخرج حديث مالك، عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة -رضي الله عنها- في الإضطجاع قبل ركعتي الفجر، وقد خالفه عامّة أصحاب الزهريّ، كمعمرٍ، ويونس، وعمرو بن الحارث، والأوزاعيّ، وابن أبي ذئب، وشعيب، وغيرهم، عن الزهريّ، فذكروا الإضطجاع بعد ركعتي الفجر، قبل صلاة الصبح، ورجّح جمعٌ من الحفّاظ روايتهم على رواية مالكٍ، ومع ذلك، فلم يتأخّر أصحاب الصحيح عن إخراج حديث مالك في كتبهم. وأمثلة ذلك كثيرة.
رابعها: أن اشتراط انتفائه ينافي ما تقرّر عند المحدّثين، من قبول زيادة الثقة، سواء من قبلها مطلقًا، كابن حبّان، والحاكم، وجماعة من الفقهاء، والأصوليين، وعليه جرى النوويّ في "مصنّفاته"، كما ذكر ذلك الحافظ في "نكته" 2/ 687 - 688 - أو من قبلها بشرط عدم المنافاة لرواية الأرجح، وهذا هو الصحيح الذي عليه جمهور المحدّثين، كما اختاره الحافظ في "نخبته".
ولا يقال: يلزم على هذا أن يُسمّى الحديث صحيحًا، ولا يُعمل به؛ لأنا نقول: لا مانع من ذلك؛ إذ ليس كلّ حديث صحيح يُعمل به، بدليل المنسوخ.
والحاصل أن الصواب عدم إدخال انتفاء الشذوذ في حدّ الصحيح، وتمام البحث في هذا في شرحي الكبير على "ألفية السيوطيّ" في الحديث. والله تعالى أعلم بالصواب.
قال أبو عمرو: فكل حديث اجتمعت فيه هذه الأوصاف، فلا خلاف بين أهل الحديث في صحته، وما اختلفوا في صحته من الأحاديث، فقد يكون سبب اختلافهم انتفاءَ وصف من هذه الأوصاف، بينهم خلافٌ في اشتراطه، كما إذا كان بعض رواة الحديث مستورًا، أو كما إذا كان الحديث مرسلًا. وقد يكون سبب اختلافهم في صحته