علي بن ثابت، قال: حدثني أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن علي السُّوذِرْجَاني بأصبهان، قال: سمعت محمد بن إسحاق بن منده، قال: سمعت أبا علي الحسين ابن علي النيسابوري، يقول: ما تحت أَدِيم السماء أصح من كتاب مسلم بن الحجاج في علم الحديث. ورويناه من وجه آخر عن ابن منده الحافظ هذا، وقال فيه: سمعت أبا علي الحسين بن علي النيسابوري، وما رأيت أحفظ منه هذا، مع كثرة من لقيه ابن منده من الحفاظ. وقول أبي علي هذا، إن أراد به أن كتاب مسلم أصح من غيره على معنى أنه غير ممزوج بغير الصحيح، فإنه جَرَّد الصحيح، وسرده على التوالي بأصوله، وشواهده، على خلاف كتاب البخاري، فإنه أودع تراجم أبواب كتابه كثيرا من موقوفات الصحابة، ومقطوعات التابعين، وغير ذلك، مما ليس من جنس الصحيح، فذلك مقبول من أبي علي، وإن أراد ترجيح كتاب مسلم على كتاب البخاري في نفس الصحيح، وفي إتقانه، والإضطلاع بشروطه، والقضاء به، فليس ذلك كذلك، كما قدمناه، وكيف يُسَلَّم لمسلم ذلك، وهو يرى على ما ذكره من بعدُ في خطبة كتابه أن الحديث المعنعن، وهو الذي يقال في إسناده: فلان عن فلان، ينسلك في سلك الموصول الصحيح، بمجرد كونهما في عصر واحد، مع إمكان تلاقيهما، وإن لم يثبت تلاقيهما، وسماع أحدهما من الآخر، وهذا منه توسع يَقعُد به عن الترجيح في ذلك، وإن لم يلزم منه عمله به فيما أودعه في "صحيحه" هذا، وفيما يورده فيه من الطرق المتعددة للحديث الواحد، ما يؤمن من وهن ذلك. والله أعلم.
وقد علّق الحافظ في "هدي الساري" 1/ 13 - 14 على كلام أبي عليّ المذكور، فقال:
وأما قول أبي عليّ النيسابوري، فلم نقف فقط على تصريحه بأن كتاب مسلم أصح من كتاب البخاري، بخلاف ما يقتضيه إطلاق الشيخ محيي الدين في مختصره في علوم الحديث، وفي مقدمة شرح البخاري أيضًا، حيث يقول: اتفق الجمهور على أن صحيح البخاري أصحهما صحيحا، وأكثرهما فوائد. وقال أبو عليّ النيسابوري، وبعض علماء المغرب. "صحيح مسلم" أصح. انتهى.
ومقتضى كلام أبي عليّ نفي الأصحية عن غير كتاب مسلم عليه، أما إثباتها له فلا؛ لأن إطلاقه يحتمل أن يريد ذلك، ويحتمل أن يريد المساواة. والله أعلم.
قال: والذي يظهر لي من كلام أبي عليّ أنه إنما قدم "صحيح مسلم" لمعنى غير ما يرجع إلى ما نحن بصدده، من الشرائط المطلوبة في الصحة، بل ذلك لأن مسلما صَنّف كتابه في بلده، بحضور أصوله، في حياة كثير من مشايخه، فكان يتحرز في