الله تعالى لك قصدّت أن تبحث بشدّة عن معرفة مجموعة من الأحاديث المنقولة عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الأحكام وغيرها، وذلك بأسانيدها الخاصّة التي نُقلت بها المشهورةِ عند أهل العلم المتداولةِ فيما بينهم. والله تعالى أعلم.

الشرح التفصيليّ لهذه الفِقْرة:

(أَمَّا بَعْدُ) أي بعدَ البسملة، والحمدلة، والصلاة على رسول الله، وعلى المذكورين معه (فَإِنَّكَ -يَرْحَمُكَ الله) الخطاب لشخص طلب منه تأليف هذا الكتاب، وهو الحافظ أحمد بن سلمة النيسابوريّ المتوفَّى سنة (286 هـ) كما ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب البغداديّ في "تاريخه"، فقال في ترجمة أحمد بن سلمة المذكور: ما نصّه: أحمد بن سلمة بن عبد الله، أبو الفضل البزّار المعدّل النيسابوريّ، أحد الحفاظ المتقنين، رافق مسلم بن الحجّاج في رحلته إلى قتيبة بن سعيد إلى بَلْخَ، وفي رحلته الثانية إلى البصرة، وكتب بانتخابه على الشيوخ، ثم جمع له مسلم "الصحيح" في كتابه. وتُوفّي أحمد بن سلمة سنة (286 هـ) انتهى كلام الخطيب رحمه الله تعالى (?).

(بِتَوْفِيقِ خَالِقِكَ) متعلّق بـ "ذَكَرتَ" بعده، قُدِّم عليه للاهتمام به، ولإفادة الحصر، أي إنك ذكرتَ ما ذكرته بسبب توفيق الله لك، لا بسبب أمر آخر. ويحتمل أن يتعلّق بـ "هممت" وفيه بعدٌ، إذ فيه تقدّم معمول خبر "أنّ" عليها، وهو لا يجوز.

ويحتمل أن يتعلّق بـ "يرحمك الله" قبله، فيكون دعاء له برحمة مخصوصة، وهي المتعلّقة بالتوفيق.

وقد أشار الإمام القاضي عياض رحمه الله تعالى في شرحه "إكمال المعلم" إلى هذه الأوجه الثلاثة، وعبارته فيه:

يحتمل أن يكون دعاء له بأن يرحمه الله بتوفيقه، وهدايته، فإنها من جملة رحمة الله، وفضله. ويحتمل أن يُعَلَّق قوله: "بتوفيق خالقك" إما إلى ما ذكره، أو همّ به من الفحص. قال: وقد سقط هذا الدعاء عندنا في رواية شيخنا الْخُشَنيّ انتهى (?).

وقد اعترض العلّامة السنديّ رحمه الله تعالى تعلّقه بـ "يرحمك الله" بأنه غير مناسب لفظًا ومعنًى، أما لفظًا، فلأن الظاهر حينئذ "بتوفيقه". وأما معنًى فلأن إطلاق الرحمة أحسن، وأولى من تقييدها انتهى (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015