الأسماء الحسنى، والصفات العلى.
والذين قالوا بالاشقاق إنما أرادوا أنه دالّ على صفة له تعالى، وهي الإلهيّة، كسائر أسمائه الحسنى، كالعليم، والقدير، والبصير، والسميع، ونحو ذلك، فإن هذه الأسماء مشتقّة من مصادرها بلا ريب، وهي قديمة، ونحن لا نعني بالاشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى، لا أنها متولّدة منه تولّد الفرع من أصله.
وتسمية النحاة للمصدر والمشتقّ منه أصلًا وفرعًا ليس معناه أن أحدهما متولّد من الآخر، وإنما هو باعتبار أن أحدهما يتضمّن الآخر وزيادة.
قال: لهذا الاسم الشريف عشر خصائص لفظيّة، وساقها. ثم قال: وأما خصائصه المعنويّة، فقد قال أعلم الخلق -صلى الله عليه وسلم-: "لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك". وكيف نحصي خصائص اسم لمسمّاه كلّ كمال على الإطلاق، وكلّ مدح وحمد، وكلّ ثناء، وكلّ مجد، وكلّ جلال، وكلّ كمال، وكلّ عزّ، وكلّ جمال، وكلّ خير، وإحسان، وجود، وفضل، وبرّ، فله، ومنه، فما ذُكر هذا الاسم في قليل إلا كثّره، ولا عند الخوف إلا أزاله، ولا عند كرب إلا كشفه، ولا عند همّ وغمّ إلا فرّجه، ولا عند ضيق إلا وسّعه، ولا تَعَلّق به ضعيف إلا أفاده القوّة، ولا ذليل إلا أناله العزّ، ولا فقير إلا أصاره غنيّا، ولا مستوحشٌ إلا آنسه، ولا مغلوب إلا أيّده ونصره، ولا مضطرّ إلا كشف ضرّه، ولا شريد إلا آواه. فهو الاسم الذي تُكشف به الكربات، وتُستنزل به البركات، وتُجاب به الدعوات، وتقال به العثرات، وتُستدفع به السيّئات، وتُستجلب به الحسنات. وهو الاسم الذي قامت به الأرض والسماوات، وبه أنزلت الكتب، وبه أرسلت الرسل، وبه شرعت الشرائع، وبه قامت الحدود، وبه شُرع الجهاد، وبه انقسمت الخليقة إلى السعداء والأشقياء، وبه حقّت الحاقّة، ووقعت الواقعة، وبه وُضعت الموازين القسط، ونصب الصراط، وقام سوق الجنّة والنار، وبه عُبد ربّ العالمين وحُمد، وبحقّه بُعثت الرسل، وعنه السؤال في القبر، ويوم البعث والنشور، وبه الخصام، وإليه المحاكمة، وفيه الموالاة والمعاداة، وبه سعد من عرفه، وقام بحقّه، وبه شقي من جَهِله، وترك حقّه. فهو سرّ الخلق والأمر، وبه قاما وثبتا، وإليه انتهيا، فالخلق به، وإليه، ولأجله. فما وُجد خلق، ولا أمرٌ، ولا ثوابٌ، ولا عقابٌ، إلا مبتدئًا منه، منتهيًا إليه، وذلك موجبه ومقتضاه: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191] إلى آخر كلامه (?). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.