أبا أمامة الباهليّ يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اكفلوا لي بستّ أكفل لكم بالجنّة، إذا حدّث أحدكم فلا يكذب، وإذا ائتمن فلا يخن، وإذا وعد فلا يخلف، غضّوا أبصاركم، وكفّوا أيديكم، واحفظوا فروجكم" (?).
فإسناد هذا الحديث في العدّة إلى الصحابيّ كالإسناد المتقدّم، وطريقه أشهر، ورواته أوثق، أما فضال بن جبير، فإن أبا أحمد العسّال الحافظ الأصبهانيّ ذكره، فقال: فضال بن جبير سمع من أبي أمامة يُكنى أبا المهنّد، وأورد له هذا الحديث في كتابه عن مطيّن محمد بن عبد الله الكوفيّ. وأما طالوت بن عبّاد الصيرفيّ أبو عثمان الجحدريّ، فقال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازيّ في كتابه: طالوت بن عباد سئل عنه أبي، فقال: صدوق. ومن بعدهما إلى شيخنا عدول ثقات.
فهذا أحد الدرجة الأولى من العلوّ، والتمييز فيما بين الصحيح والسقيم. وقد يقع إلينا بعلوّ درجة على ما تقدّم، إلا أنه أضعف من الذي ذكرناه، وأوهى، من ذلك: ما أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله الخطيب الصريفينيّ ببغداد إملاء من حفظه، قال: حدّثني أبو حفص عمر بن إبراهيم الكنانيّ المقرىء، قال: حدّثني أبو سعيد الحسن بن عليّ العدويّ قال. حدّثني خِراش بن عبد الله، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الصوم جنّة"، وهذا أعلى من المتقدّم بدرجة، إلا أنه شبه الريح؛ لأن خراشًا هذا مجهول، والعَدَوِيُّ كذّاب، والحمل فيه عليه.
وقوله: "الصوم جنّة" صحيح من طريق أبي هريرة، فركّب له العدويّ إسنادًا، وجعله عن أنس بعلوّ. أخبرنا به أبو بكر إسماعيل بن عليّ الخطيب بالريّ، قال: أنا أبو زكريّا يحيى بن إبراهيم، ثنا أبو حفص عمر بن محمد بن أحمد الجمحيّ بمكة، ثنا عليّ بن عبد العزيز، ثنا أبو نُعيم الفضل بن دُكين قال: نا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله عز وجل: الصوم لي، وأنا أجزي به، يدع شهوته، وأكله، وشربه من أجلي، والصوم جنّة، وللصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقائه ربّه، ولَخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" (?). أخرجه البخاريّ في "التوحيد" عن أبي نعيم الفضل كذلك.
(الدرجة الثانية): العلوّ إلى الأئمة: