هَذَا الْعين صَحَّ الابراء حَتَّى لَو ادّعى بعد ذَلِك فَلَا تسمع.

أَو نقُول: الابراء لَاقَى الدَّعْوَى، فَإِن قَوْله أَبْرَأتك عَن هَذِه الْعين مَعْنَاهُ أَبْرَأتك عَن دَعْوَى هَذِه الْعين، أَلا ترى أَن قَول الْمَغْصُوب مِنْهُ للْغَاصِب أَبْرَأتك عَن العَبْد الْمَغْصُوب مَعْنَاهُ أَبْرَأتك عَن ضَمَان العَبْد الْمَغْصُوب، وبهذه الْمَسْأَلَة تبين أَن مَعْنَى قَوْلِنَا الْبَرَاءَةُ عَنْ الْأَعْيَانِ لَا تَصِحُّ أَنَّ الْعَيْنَ لَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بالابراء لَا أَن يبْقى الْمُدَّعِي على دَعْوَاهُ.

وَفِي آخر كتاب الدَّعْوَى فِي منتقى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد: فِي رجل خَاصم رجلا فِي دَار يدعيها ثمَّ قَالَ أَبْرَأتك عَن هَذِه الدَّار أَو قَالَ أَبْرَأتك عَن خصومتي هَذَا كُله بَاطِل وَله أَن يُخَاصم، وَلَو قَالَ بَرِئت من هَذِه الدَّار أَو قَالَ بَرِئت من دَعْوَى هَذِه الدَّار كَانَ جَائِزا وَلَا حق فِيهَا، وَلَو جَاءَ بِبَيِّنَة لم أقبلها.

وَفِي منتقى إِبْرَاهِيم بن رستم عَن مُحَمَّد: رجل ادّعى دَارا فِي يَد رجل فَصَالحه الْمُدعى عَلَيْهِ على نصفهَا وَقَالَ بَرِئت من دعواي فِي النّصْف الْبَاقِي أَو قَالَ بَرِئت من النّصْف الْبَاقِي أَو قَالَ لَا حق لي فِي النّصْف الْبَاقِي ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة على جَمِيع الدَّار لَا تقبل بَينته، وَلَو قَالَ صالحتك على نصفهَا على أَنِّي أَبْرَأتك من دعواي فِي النّصْف الآخر ثمَّ أَقَامَ بَيِّنَة كَانَ لَهُ أَن يَأْخُذ الدَّار كلهَا، وَفرق بَين قَوْله بَرِئت وَبَين قَوْله أَبْرَأتك.

قَالَ: أَلا ترى أَن عبدا فِي يَد رجل لَو قَالَ لرجل بَرِئت مِنْهُ كَانَ بَرِيئًا مِنْهُ، وَلَو قَالَ أَبْرَأتك مِنْهُ كَانَ لَهُ أَن يَدعِيهِ وَرُبمَا أَبرَأَهُ من ضَمَانه.

قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابنَا رَحِمهم الله تَعَالَى أَنْت مني برِئ وَأَنا مِنْك برِئ كَانَ لَهُ أَن يَدعِي فِي العَبْد اهـ.

قَوْله: (فِي العزمية) وَوَجهه كَمَا فِي الْحَمَوِيّ أَن الابراء لَاقَى عينا وَدَعوى والابراء عَن الدَّعْوَى صَحِيح، فَإِن من قَالَ لغيره أَبْرَأتك عَن دَعْوَى هَذِه الْعين صَحَّ، وَلَو ادَّعَاهُ بعد لم تسمع.

قَوْله: (للبزازية) عبارتها: وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُور فِي أَكثر الْفَتَاوَى على اخْتِلَاف ظَاهر الرِّوَايَة وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة يَصح، وَلَا تصح الدَّعْوَى وَإِن برهن.

قَوْله: (وَقَوْلهمْ) جَوَاب سُؤال وَارِد على ظَاهر الرِّوَايَة، تَقْدِيره: كَيفَ صَحَّ الصُّلْح على بعض الْعين المدعاة مُطلقًا مَعَ أَنه يلْزم مِنْهُ الْبَرَاءَة عَن بَاقِيهَا؟ وَقد قَالُوا: الابراء عَن الاعيان بَاطِل، وَمُقْتَضَاهُ أَنه لَا يَصح.

أَفَادَهُ الطَّحْطَاوِيّ.

لَكِن مَا ذكره وَارِد على كَلَام الماتن عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، إذْ لَا تَعَرُّضَ لِلْإِبْرَاءِ فِيهَا، وَمَا تَضَمَّنَهُ الصُّلْحُ إسْقَاطٌ لِلْبَاقِي لَا

إِبْرَاء، فَافْهَم وَتَأمل.

قَوْله: (عَن دَعْوَى الاعيان) الانسب هُنَا حذف.

قَوْله: دَعْوَى كَمَا يظْهر مِمَّا تقدم من عبارَة الذَّخِيرَة، وَهُوَ الْمُنَاسب لسياق كَلَامه وَلما يَأْتِي من الِاسْتِدْرَاك الْآتِي فِي.

قَوْله: لَكِن تسمع دَعْوَاهُ فِي الحكم إِذْ لَو بَطل الابراء عَن الدَّعْوَى لسمعت دَعْوَاهُ، ولان الْفِقْه صِحَة الْبَرَاءَة عَن دَعْوَى الاعيان كَمَا مر بِلَا خلاف فِيهَا، وَلَو قَالَ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لَكَانَ أحكم، وَالله تَعَالَى أعلم.

قَوْله: (وَلم يصر ملكا للْمُدَّعى عَلَيْهِ) هُوَ الْمَقْصُود من الْمقَام: أَي أَن معنى بطلَان الْبَرَاءَة عَن الاعيان أَنَّهَا لَا تصير ملكا للمبرئ مِنْهَا فَحل للْمُدَّعِي أَخذهَا إِن وجدهَا، وَلَيْسَ معنى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015