حياً عَالِماً، قادراً، سميعاً، بصيراً، حكيماً، مُدَبِّراً. فَإِذَا رَدَّ العَبْدُ نظره إلى نفسه، ورآها على هذه الصفات، متمكناً في هذه المرتبة باقتران معنىً موجود بالذات سماه الله روحاً تارة، وسماه نفساً أخرى، ولم يقدر العبد على إدراك حقيقةِ هذا المعنى الذي اقتضى اقترانَهُ بالذات وجودُ هذه الصفاتِ، كان ذلك دليلًا على صحة الاستدلال على وجود الله تعالى بأفعاله، وإن لم تدرك ماهية ذاته، ولا يقدر عاقل أن ينكر وجود الروح مع نفسه لوجود أفعاله، وإن كان لم يدرك حقيقته، كذلك لا يقدر أن ينكر وجود الباري سبحانه الذي دلت أفعاله عليه وإن لم يُدْرِكْ حقيقَتَهُ.
قالوا: وكذلك خلق الله المرآة يتشكل فيها لصفائها ما قابلها، فيرى العبد نفسه فيها، ولا يقدر أن يقول رأيت شخصي في المرآة، ولا مثالي؛ لأن المرآة قشرةٌ رقيقةٌ لَا تَحْمِلُ طُول الصورة ولا عَرْضَهَا، ولا تتسع لِإقبالها إذا أقبلت على المرآة، ولا تتسع أيضاً لإدبارها إذا أدبرت عنها. فثبت أن الذي يُرَى في المرآة نَفْسُهُ بواسطة مقابلة المرآة له، ويستحيل أن يكون الِإنسان من نفسه في جهة (?)، وقد أطنبنا القول في ذلك في كتاب "المقسط" وغيره (?). وبذلك يعلم بواسطتها وتَجَلَّي الصور فيها تجلي الحقائق للنفس مما