ولو شاء ربنا لخلق المعرفة لعبده ابتداءً من غير أن يَنْصُبَ لَهُ عليه دليلاً، ويُعَرّفَهُ بوجه الدليل، ولكنه بحكمته خَلَقَهُ غَيْرَ عالِم، ثم رَتبَ فيه العلم درجات (?)، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} [النحل: 78] (?).
فلا إخراج أنفسهم علموه، ولا وصف ربهم عَرَفُوه، ولا شاورهم فيه، ولا علموا بحالة من أحواله. فخلق السمع لخطابه، والبصر للاعتبار به، والأفئدة لِمَقَر عِلْمِهِ (?).
وعرف العبد نفسه في قوله: {مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12] لئلا يعجب بنفسه ولئلا يتعجب أحد أيضاً من سوء فعله، ثم قال سبحانه: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14].
ليعرفك أن الشرف والقَدْر إنما هو للترْبِيةِ لا للتُرْبة (?).
فإذا نظر العبد في نفسه علم أنه موجود لغيره، وتحقق أن ذلك الغير لا