فيض القدير (صفحة 7656)

7592 - (ليس) وفي رواية ما (أحد أصبر) من الصبر وأصله حبس النفس على ما تكرهه وهو في صفة الباري تأخير العذاب عن مستحقه فالمراد من أفعل نفي ذات المفضل عليه وإذا انتفت ذاته انتفت المساواة والنقص بالأولى (على أذى) مصدر أذى يؤذي يعني المؤذي أي كلام مؤذ (يسمعه من الله) أي ليس أحد أشد صبرا من الله بإرسال العذاب إلى مستحقه وهم الكفار على القول القبيح الآتي وفيه إيماء إلى أن الصبر على تحمل الأذى محمود وترك الانتقام ممدوح ولهذا كان جزاء الصبر غير محصور إذ الصبر والحلم في الأمور هو التخلق بأخلاق مالك أزمة الأمور وبالصبر يفتح كل باب مغلوق ويسهل كل صعب مرتج وهنا سر بديع وهو أن من تعلق بصفة من صفاته تعالى أدخلته تلك الصفة عليه وأوصلته إليه فهو الصبور أوحى الله إلى داود تخلق بأخلاقي ومن أخلاقي أنى أنا الصبور ثم بين الأذى المسموع بقوله (إنهم ليدعون له ولدا ويجعلون له أندادا) ولو نسب ذلك إلى ملك من أحقر ملوك الدنيا لاستنكف وامتلأ غضبا وأهلك قائله فسبحانه ما أحلمه وما أرحمه {وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب} (وهو مع ذلك) يحبس عقوبته عنهم ولا يعاجلهم بل (يعافيهم) أي يدفع عنهم المكاره والمعافاة دفع المكروه (ويرزقهم) فهو أصبر على الأذى من الخلق فإنهم يؤذون بما هو فيهم وهو يؤذى بما ليس فيه وهم إن صبروا صبروا تكلفا وضعفا وصبره حلم ولطف وفيه إبانة عن كرم الله وصفحه وفضله في تأخير معاجلة العذاب وإدرار الرزق على مؤذيه فهذا كرمه في معاملة أعدائه فما ظنك بمعاملة أصفيائه وفيه حث على تحمل الأذى فيما يؤلم العبد ليجازى غدا جزاء الصابرين {إن رحمة الله قريب من المحسنين}

(ق عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس رواه عنه النسائي في التفسير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015