5343 - (الطهور) بالفتح للماء وبالضم للفعل وهو المراد هنا إذ لا دخل لغيره في الشطرية الآتية إلا بتكلف وزعم أن الرواية بالفتح لا الضم أبطله النووي (شطر) أي نصف (الإيمان) الكامل بالمعنى الأعم المركب من التصديق والإقرار والعمل وهو وإن تكثرت خصاله وتشعبت أحكامه ينحصر فيما ينبغي التنزه عنه وهو كل منهي والتلبس به وهو كل مأمور أو المراد أن الإيمان يجب ما قبله من الخطايا وكذلك الوضوء لكنه لا يصح إلا مع الإيمان فصار لتوقفه -[291]- عليه في معنى الشرط أو المراد بالإيمان الصلاة وصحتها لاجتماع أمرين للأركان والشروط وأظهر الشروط وأقواها الطهارة فجعلت كأنها الشروط كلها والشرط ما لابد منه حتى ينعقد صحيحا أو الطهور تزكية النفس عن العقائد الزائغة والأخلاق الذميمة وهي شرط للإيمان الكامل فإنه عبارة عن مجموع تزكية النفس من ذلك وتحليها بالاعتقادات الحقة والشمائل المحمودة قال النووي: وأظهر الأقوال الثالث (والحمد لله تملأ الميزان) أي ثواب الكلمة يملأها بفرض الجسمية وقال القزويني: يريد الميزان النظري لأن أنواع الثناء على الحق محصورة في أصلين السلب والإثبات فالتنزيهات إنما تفيد النفي لأنها ليست أمورا وجودية تملأ شيئا بخلاف الصفات الثبوتية فالحمد لله ثناء بوصف ثبوتي فيملأ الميزان العقلي وبه يتم البرهان والتعريف (وسبحان الله والحمد لله تملآن) بالتأنيث على اعتبار الجملة والتذكير بإرادة الذكرين أي يملأ ثواب كل منهما (ما بين السماء والأرض) بفرض الجسمية وذلك لاشتمال هاتين الكلمتين على كمال الثناء والتعريف بالصفات الذاتية والعقلية الظاهرة الآثار في السماوات والأرض وما بينهما (والصلاة نور) لأنها تمنع عن المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب كما أن النور يستضاء به أو لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق وإقباله إلى الخالق أو لأنها تكون نورا لصاحبها بالبهاء في الدنيا وبالأنس في القبر ونورا ظاهرا على وجهه يوم القيامة حتى توصله للجنة {نورهم يسعى بين أيديهم} وهي نور توضيح الطريق إلى الآخرة وتبين سبيل المراشد فهي نور على نور والنور من نار ينور لما فيه من الحركة والاضطراب (والصدقة برهان) حجة جليلة على إيمان صاحبها أو أنه على الهدى أو الفلاح أو لكون الصدقة تنجيه عند الحساب كما تنجي الحجة عند المحاكمة وقال القزويني: الصدقة برهان على جزم المتصدق بوجود الآخرة وما تتضمنه من المجازات لأن المال محبوب للنفوس المنصفة بالخواص الطبيعية فلا يقدر على بذل المال ما لم يصدق بانتفاعها فيما بعد بثمرات ما يبذله وفوزها بالعوض وحصول السلامة من ضرر متوقع بسبب فعل قرنت به عقوبة (والصبر) الذي هو حبس النفس عما تتمنى أو يشق والمراد المحمود (ضياء) أي نور قوي تنكشف به الكربات وتنزاح به غياهب الظلمات فمن صبر على ما أصابه من مكروه علما بأنه من قضاء الله وقدره هان عليه ذلك وكفى عنه شره وادخر له أجره ومن اضطرب فيه وأكثر الجزع والهلع لم ينفعه تعبه ولا يدفع سعيه شيئا من قدر الله بل يتضاعف به همه وينحبط أجره والعبد بالصبر يخرج عن عهدة التكليف ويقوى على مخالفة الشيطان والنفس فيفوز في الدارين فوزا والضياء النور القوي والإضاءة فرط الإنارة وقال القونوي في توجيه هذه الفقرة: سره أن الصبر حبس النفس عن الشكوى وهو أمر مؤلم للنفس ولا ريب عند المحققين بالتجربة المكررة والعلم المحقق أن الآلام النفسانية تخمد وهج القوى الطبيعية وتنعش القوى الروحانية الموجبة لتنوير الباطن فلهذا جعل الصبر مثمرا للضياء الذي هو امتزاج النور بالظلمة بخلاف الحال في الصلاة التي قال إنها نور من أجل ما تقرر من سر المقابلة والمسامتة والتمثيل بالشمس والقمر فإنه ليس في ذات القمر ما يمزج بالشمس حتى يسمى الناتج بينهما ضياء ولذلك سمى تعالى القمر نورا دون الشمس المشبهة بالسراج لكونه معدودا من الشجرة المباركة المنفي عنها الجهات وأنها الحضرة الجامعة للأسماء والصفات والمذكور في شأن الصبر هو نور متحصل وناتج من امتزاج واقع من القوى الطبيعية والقوى والصفات الروحانية وغالبيته ومغلوبيته بينهما (والقرآن حجة لك) يدلك على النجاة إن عملت به (أو عليك) إن أعرضت عنه فيدل على سوء عاقبتك قال القونوي: الحجة البرهان الشاهد بصحة الدعوى كمن آمن به أنه كلام الله ومنزل من عنده ومظهر لعلمه من حيث اشتماله على الترجمة عن أحوال الخلق من حيث تعينها لديه سبحانه وترجمة عن صور شؤونه فيهم وعندهم وعن أحوال الخلق بعضهم مع بعض ورد تأويل ما لم
-[292]- يطلع عليه من أسراره إلى ربه وإنفاذ ما تضمنه من الأوامر والنواهي مع التأدب بآدابه والتخلق بأخلاقه دون تردد وارتياب وارتباط وتسلط بتأويل متحكم بنتيجة نظره القاصر كان حجة وشاهدا له ومن لم يكن كذلك كان حجة عليه (كل الناس) أي كل منهم يغدو (فبائع نفسه) أي فهو بائع نفسه والمبتدأ يكثر حذفه بعد فاء الجزاء والغدو ضد الرواح من الغدوة وهو ما بين الصبح والطلوع والبيع المبادلة والمراد هنا صرف الأنفاس في غرض ما يتوجه نحوه (فمعتقها أو موبقها) أي مهلكها وهو خبر آخر أو بدل من فبائع فإن عمل خيرا وجد خيرا فيكون معتقها من النار وإن عمل شرا استحق شرا فيكون موبقها أو المراد بالبيع الشراء بقرينة قوله معتقها إذ الإعتاق إنما يصح من المشتري فالمراد من ترك الدنيا وآثر الآخرة اشترى نفسه من ربه بالدنيا فيكون معتقها ومن ترك الآخرة وآثر الدنيا اشترى نفسه بالآخرة فيكون مهلكها والفاء في فبائع تفصيلية وفي معتقها سببية وقال القونوي: في هذا أسرار شريفة منها أن المصطفى صلى الله عليه وسلم نبه على سر هو كالتفسير لقوله تعالى {ولكل وجهة هو موليها} لأنه قال كل الناس يغدو وصدق لأن الاطلاع المحقق أفاد أنه ليس في الموجودات لأحد وقفة بل كل إنسان سائر إلى المرتبة التي قدر الحق أنها غاية من مراتب النقص والشقاء ومراتب السعادة التي هي الكمالات النسبية أو الكمال الحقيقي والفوز بالتجلي الذاتي الأبدي الذي لا حجاب بعده ولا مستقر للكمل دونه وهو الذي ذكره المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بقوله أسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم وقوله فبائع نفسه أي الذي يجعله في سيره إلى الغاية هو حاصل قوى روحه ونتيجة زمانه وأحواله وصفاته وأفعاله وتطوراته في نشأته فإن حصل على طائل وانتهى إلى كمال نسبي في بعض درجات السعادة أو إلى الكمال الحقيقي المنبه عليه فقد أعتق نفسه عن الورطات المهلكة وجيوش القيود الإمكانية والحجب الظلمانية فتنور بالعلم المحقق والعمل الصالح المنتج للخيرات الملائمة وإن حرم ما ذكر أوثق نفسه أي أهلكها وأضاع عمره وعمله فخاب وخسر نسأل الله العافية فهذا معنى هذا الحديث البديع الجامع
(حم م ت عن أبي مالك الأشعري) قال ابن القطان: اكتفوا بكونه في مسلم فلم يتعرضوا له وقد بين الدارقطني وغيره أنه منقطع فيما بين أبي سلام وأبي مالك