فيض القدير (صفحة 4315)

4285 - (الدنيا لا تصفو لمؤمن كيف) تصفو له (وهي سجنه وبلاؤه) قال ابن عطاء الله: إنما جعلها الله محلا للأغيار ومعدنا لوجود البلاء والأكدار تزهيدا لك فيها فأذاقنك من ذواقها الأكدار فمن عرف ذلك ثم ركن فما هو إلا أسفه لخلق وأقلهم عقلا آثر الخيال على الحقيقة والمنام على اليقظة والظل الزائل على النعيم الدائم وباع حياة الأبد في أرغد عيش بحياة عن ظل زائل وحال حائل. " إن اللبيب بمثلها لا يخدع ". فحق على كل عاقل يعلم أن الدنيا جمة المصائب كدرة المشارب تشمر للبرية أصناف البلية فيها مع كل لقمة غصة ومع كل جرعة شرقة فهي عدوة محبوبة كما قال أبو النواس:

إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت. . . له عن عدو في ثياب صديق

وكما روى عن الحسن ما مثلنا مع الدنيا إلا كما قال كثير عزة

أسيىء بنا أو أحسني لا ملومة. . . لدنيا ولا مقلبة إن تقلت

فما أحد فيها إلا وفي كل حال غرض لأسهم ثلاثة: سهم بلية وسهم رزية وسهم منية

كما قيل:

تناضله الآفاق من كل جانب. . . فتخطئه يوما ويوما تصبيه

وقال حكيم: أسباب الحزن فقد محبوب أو فوت مطلوب ولا يسلم منهما إنسان لأن الثبات والدوام معدومان في عالم الكون والفساد فمن أحب أن يعيش هو وأهله وأحبابه فهو غافل وقال الحكماء: من قال لغيره صانك الله من نوب الأيام وصروف الزمان فإنه يدعو عليه بالموت فالإنسان لا ينفك من ذلك إلا بخروجه من دار الكون والفساد. (تتمة) قال ابن عطاء الله: لا تستغرب وقوع الأكدار ما دمت في هذه الدار فإنها ما أبرزت إلا ما هو مستحق وصفها وواجب نعتها وإنما جعلها محلا للأغيار ومعدنا لوجود الأكدار تزهيدا لك فيها علم أنك لا تقبل النصح المجرد فذوقك من ذواقها ما يسهل عليك وجود فراقها. (لطيفة) في تذكرة المقريزي في ترجمة العلائي أن من شعره:

ومن رام في الدنيا حياة خلية. . . من الهم والأكدار رام محالا

فهاتيك دعوى قد تركت دليلها. . . على كل أبناء الزمان محالا

وقال الجنيد: لست أتبشع ما يرد علي من العالم في هذه الدار لأني قد أصلت أصلا وهو أن ما في الدنيا كله شر فمن حكمه أن يتلقاني بكل ما أكره فإن تلقاني بما أحب فهو فضل والأصل هو الأول اه قال بعض العارفين: فينبغي للإنسان أن يصحب الناس على النقص ويعاملهم بالكمال فإن ظهر الكمال فهو فضل وإلا فالأصل هو الأول

(ابن لال عن عائشة) ورواه عنها أيضا الديلمي وذكر أن الحاكم خرجه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015