فيض القدير (صفحة 3)

بسم الله الرحمن الرحيم

-[2]- الحمد لله الذي جعل الإنسان هو الجامع الصغير فطوى فيه ما تضمنه العالم الأكبر الذي هو الجامع الكبير وشرف من شاء من نوعه في القديم والحديث بالهداية إلى خدمة علم الحديث. وأوتد له من مشكاة السنة لاقتباس أنوارها مصباحا وضاحا ومنحه من مقاليد الأثر مفتاحا فتاحا. والصلاة والسلام على أهل العالمين منصبا وأنفسهم نفسا وحسا المبعوث بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا حتى أشرق الوجود برسالته ضياءا وابتهاجا ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ثم على من التزم العمل بقضية هديه العظيم المقدار من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم إلى يوم القرار الذين تناقلوا الخبر والأخبار ونوروا مناهج الأقطار بأنوار المآثر والآثار صلاة وسلاما دائمين ما ظهرت بوازغ شموس الأخبار ساطعة من آفاق عبارات من أوتي جوامع الكلم والاختصار

(وبعد) فهذا ما اشتدت إليه حاجة المتفهم بل وكل مدرس ومعلم من شرح على الجامع الصغير للحافظ الكبير الإمام الجلال الشهير بنشر جواهره ويبرز ضمائره ويفصح عن لغاته ويفصح القناع عن إشاراته ويميط عن وجود خرائده اللثام (?) ويسفر عن جمال حور مقصوراته الخيام ويبين بدائع ما فيه من سحر الكلام ويدل على ما حواه من درر مجمعة على أحسن نظام ويخدمه بفوائد تقر بها العين وفرائد يقول البحر الزاخر من أين أخذها من أين وتحقيقات تنزاح بها شبه الضالين وتدقيقات ترتاح لها نفوس المنصفين وتحرق نيرانها أفئدة الحاسدين لا يعقلها إلا العالمون ولا يجحدها إلا الظالمون ولا يغص منها إلا كل مريض الفؤاد من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فما له من هاد ومع ذلك فلم آل جهدا في الاختصار والتجافي عن منهج الإكثار فالمؤلفات تتفاضل بالزهر والثمر لا بالهذر وبالملح لا بالكبر وبجموم اللطائف لا بتكثير الصحائف وبفخامة الأسرار لا بضخامة الأسفار وبرقة الحواشي لا بكثرة الغواشي ومؤلف الإنسان على فضله أو نقصه عنوان وهو بأصغريه اللفظ اللطيف والمعنى الشريف لا بأكبريه اللفظ الكثير والمعنى الكثيف. وهنالك يعرف الفرض من النافلة وتعرض الإبل فرب مئة لا تجد فيها راحلة. ثم إني بعون أرحم الراحمين لم أدخل بتأليفه في زمرة الناسخين ولم أسكن بتصنيفه في سوق الغث والسمين بل أتيت بحمد الله بشوارد فرائد باشرت اقتناصها وعجائب غرائب استخرجت من قاموس الفكر وعباب القريحة مغاصها فمن استلحق بعض أبكاره الحسان لم ترده عن المطالبة بالبرهان. ولم أعرب من ألفاظه إلا ما كان خفيا فقد قال الصدر القونوي: غالب ممن يتكلم على الأحاديث إنما يتكلم عليها من حيث إعرابها والمفهوم من ظاهرها بما لا يخفى على من له أدنى مسكة في العربية وليس في ذلك كبير فضيلة ولا مزيد فائدة إنما الشأن في معرفة مقصوده صلى الله عليه وسلم وبيان ما تضمنه كلامه من الحكم والأسرار بيانا تعضده أصول الشريعة وتشهد بصحته العقول السليمة. وما سوى ذلك ليس من الشرح في شيء. قال ابن السكيت خذ من النحو ما تقيم به الكلام فقط ودع الغوامض. ولم أكثر من نقل الأقاويل والاختلافات لما أن ذلك على الطالب من أعظم الآفات إذ هو كما قال حجة الإسلام يدهش عقله ويحير ذهنه. قال: وليحذر من أستاذ عادته نقل المذاهب وما قيل فيها فإن إضلاله أكثر من إرشاده كيقما كان ولا يصلح الأعمى لقود العميان. ومن كان دأبه ليس إلا إعادة ما ذكره الماضون وجمع ما دونه السابقون فهو منحاز عن مراتب التحقيق معرج عن ذلك الطريق بل هو كحاطب ليل وغريق في سيل إنما الحبر من عول على سليقته القويمة وقريحته السليمة مشيرا إلى ما يستند الكلام -[3]- إليه من المعقول والمنقول رامزا إلى ذلك رمز المفروغ منه المقرر في العقول. قال حجة الإسلام في الإحياء: ينبغي أن يكون اعتماد العلماء في العلوم على بصيرتهم وإدراكهم وبصفاء قلوبهم لا على الصحف والكتب ولا على ما سمعوه من غيرهم فإنه إن اكتفى بحفظ ما يقال كان وعاء للعلم لا عالما اه. فياأيها الناظر اعمل فيه بشرط الواقف من استيفاء النظر بعين العناية وكمال الدراية لا يحملك احتقار مؤلفه على التعسف ولا الحظ النفساني على أن يكون لك عن الحق تخلف فإن عثرت منه على هفوة أو هفوات أو صدرت فيه عن كبوة أو كبوات فما أنا بالمتحاشي عن الخلل ولا بالمعصوم عن الزلل ولا هو بأول قارورة كسرت ولا شبهة مدفوعة زبرت ومن تفرد في سلوك السبيل لا يأمن من أن يناله أمر وبيل ومن توحد بالذهاب في الشعاب والقفار فلا يبعد أن تلقاه الأهوال والأخطار. وكل أحد مأخوذ من قوله ومتروك ومدفوع إلى منهج مع خطر الخطأ مسلوك. ولا يسلم من الخطأ إلا من جعل التوفيق دليله في مفترقات السبل وهم الأنبياء والرسل على أني علقته باستعجال في مدة الحمل والفصال والخواطر كسيرة وعين الفؤاد غير قريرة والقرائح قريحة. والجوارح جريحة من جنايات الأيام والأنام تأديبا من الله عن الركون إلى من سواه واللياذ بمن لا تؤمن غلسة هواه فرحم الله امرءا قهر هواه وأطاع الإنصاف وقواه ولم يعتمد العنت ولا قصد قصد من إذا رأى حسنا ستره وعيبا أظهره ونشره. وليتأمله بعين الإنصاف لا بعين الحسد والانحراف. فمن طلب عيبا وجد وجد ومن افتقد زلل أخيه بعين الرضا والإنصاف فقد فقد والكمال محال لغير ذي الجلال

ولما من الله تعالى بإتمام هذا التقريب وجاء بحمد الله آخذا من كل مطلب بنصيب نافذا في الغرض بسهمه المصيب كامدا قلوب الحاسدين بمفهومه ومنطوقه راغما أنوف المتصلفين لما استوى على سوقه سميته: فيض القدير بشرح الجامع الصغير. ويحسن أن يترجم بمصابيح التنوير على الجامع الصغير ويليق أن يدعى: بالبدر المنير في شرح الجامع الصغير ويناسب أن يترجم: بالروض النضير في شرح الجامع الصغير. هذا: وحيث أقول القاضي فالمراد البيضاوي. أو العراقي فجدنا من قبل الأمهات الحافظ الكبير زين الدين العراقي أو جدي فقاضي القضاة يحيى المناوي أو ابن حجر فخاتمة الحفاظ أبو الفضل العسقلاني رحمهم الله تعالى سبحانه. وأنا أحقر الورى خويدم الفقهاء: محمد المدعو عبد الرؤوف المناوي حفه الله بلطف سماوي وكفاه شر المعادي والمناوي ونور قبره حين إليه يأوي وعلى الله الإتكال وإليه المرجع والمآل لا ملجأ إلا لإياه ولا قوة إلا بالله وها أنا أفيض في المقصود مستفيضا من ولي الطول والجود:

قال المصنف (بسم الله) أي بكل اسم للذات الأقدس لا بغيره ملتبسا للتبرك أؤلف فالباء للملابسة كما هو مختار الزمخشري. وهو أحسن وأفصح من جعلها للاستعانة الذي هو مقتضى صنيع القاضي ترجيحه لأن الملابسة أبلغ في التعظيم وأدخل في التأدب بخلاف جعل اسم الله آلة غير مقصودة لذاتها ولأنها أدل منها على ملابسة جميع أجزاء الفعل ولأن التبرك باسمه ظاهر لكل أحد وتأويل الأولية بأن المراد أن الفعل لا يتم شرعا ما لم يصدر باسمه لايدرك إلا بدقة النظر ولأن ابتداء المشركين كان بأسماء آلهتهم للتبرك بها ولأن كون اسم الله تعالى آلة الفعل -[4]- ليس إلا باعتبار أنه يتوسل إليه ببركته فعاد للتبرك ذكره الشريف وغيره وتعقب المولى حسن الرومي الأول بأن تلك الجهة غير ملحوظة بل الملحوظ جهة كون الفعل غير معتبر شرعا ما لم يصدر به. كما تقرر وهو يعارض التبرك بل أرجح والثاني يمنع الآلية المذكورة فهيهات إثباتها وبفرضه فباء الاستعانة في جميع أجزاء الفعل فيها الدلالة على تلك الملابسة مع زيادة لا تقاومها الآلية والثالث بأن العبرة بالخواص فالعوام كالهوام والدقة من أسباب الترجيح لا الرد والرابع بأن جعله آلة يشعر بأن له زيادة مدخل في الفعل ويشتمل على جعل الموجود لفوات كماله بمنزلة المعدوم وذا يعد من المحسنات انتهى ونوزع بما فيه طول لايسعه المقام. وحذف متعلق الباء لئلا يقع في الابتداء غير اسم الله تعالى وهو لابد منه في إظهار المبدئية ليشاكل اللفظ المعنى ومن ثم التزم حذفه في كلام الحكيم تقدس أما ما لابد منه لإظهاره كتقديم الباء ولفظ اسم فلا يفوت البداءة بذكر الله تعالى كما بينه الشريف إذ المطلوب المبدئية على وجه يدل عليها وعلى الاختصاص والباء وسيلة لذلك والابتداء لا يتعين كونه باسم خاص من أسمائه بل يحصل بأي لفظ دل على اسمه

فاستبان أن الابتداء بلفظ الاسم ابتداء بالاسم حقيقة والباء وسيلة لذكره وأن التبرك يحصل بجميع أسمائه والتعريف الإضافي قد يحمل على معاني التعريف باللام فيراد جنس الأسماء أو جميع أفرادها. وقدر متعلق الباء فعلا لأصالته في العمل وقلة الإضمار ومؤخرا ليفيد الحصر والاهتمام. وقول أبي حيان: تقديم الظرف لا يوجب الاختصاص أطنب المحقق أبو زرعة في رده في حاشية الكشاف ولا يرد {اقرأ باسم ربك} لأن الأهم فعل القراءة لكونها أهم منزل. وخامسا لأنه أنسب بالمقام وأوفى بتأدية المرام وأتم فائدة وأعم عائدة وتقدير أبتدئ مخل بالغرض من شمول البركة للكل وقول المولى الخسرولي: هو أولى امتثالا للفظ الخبر منعه الإمام حسن الرومي بأن مناط الامتثال البدء بالتسمية لا تقدير فعله إذ لم يقل فيه كل أمر ذي بال لم يقل فيه أو لم يضمر فيه ابتدئ أو افتتح مفوت للمعنى المناسب لفعل الشروع إذ القصد تلبس جميع أجزاء الفعل بالتبرك فلما تعذر تحقيقا ولا حرج في الدين جعل طريقه كون الشروع فيه ملتبسا بها كما في النية حيث اعتبرت في ابتداء العبادات تحقيقا وفي كلها تقديرا. وحذف الألف من بسم الله لكثرة الاستعمال وطولت الباء للدلالة عليه وإشارة إلى أنها وإن كانت في الأصل حرفا منخفضا لكن لما اتصلت باسم الله ارتفعت وسمت ويجعل مناط الحذف كثرة الاستعمال عرف وجه إثباتها عند اتصالها بلفظ آخر نحو: لذكر اسم الله حلاوة أو مضاف إلى اسم آخر نحو: باسم ربك. والباء للجر فكسرت لتشابه حركتها عملها

ثم إن كون المتعلق به مقدما على الرحمن الرحيم هو ما درج عليه المحققون لكن قال البلقيني: قضية البداءة بالاسم وإفادة الاختصاص التي علي ادعاها الزمخشري كون المقدر مؤخرا عن البسملة بكمالها لئلا يقع الفصل بين الموصوف والصفة بما لم يتعين تقديره في هذا الموضع والاسم ما يجمع اشتقاقين من السمة أو السمو وهو بالنظر إلى اللفظ وسم وبالنظر إلى الحظ من الذات سمو قاله الحراني. والله اسم عربي لا سرياني معرب وهو علم مختص بمبدع العالم لم يطلق على غيره فيما بين المسلمين وغيرهم ولا عنادا وغلوا في العتو مطلقا وعلاقة الاشتقاق فيما بينه وبين غيره إنما تنافي علميته لو ثبت أصالة ذلك الغير ولم تثبت واستظهار القاضي أنه وصف غلب عليه بحيث لم يستعمل في غيره فصار كالعلم لا علما لأن ذاته غير معقول لنا فلا يمكن الدلالة عليه بلفظ ولأنه لو دل على مجرد ذاته المخصوص لما أفاد وهو الله في السماوات معنى صحيحا تصدى جمع من أرباب الحواشي لدفعه أما الأول فلأن علم الواضع عند الوضع بكنه حقيقة الموضوع له وملاحظة لشخصه لا ضرورة للزومه بل يكفي ملاحظة انحصار ذلك الوجود في الخارج فيه بدليل أن الأب يضع علما لولده قبل رؤيته ولو سلم فلا مانع من كون الواضع هو الله تعالى ثم عرفنا إياه وأما الثاني فلأن الاسمية لا تقتضي الدلالة على مجرد الذات فإن أسماء الزمان والمكان والآلة مثلا أسماء باتفاق مع دلالتها على معنى زائد على الذات ولو سلم فليكن تعلقه به باعتبار ملاحظة المعنى الوضعي الخارج عن الاسم كذا حققه المولى حسن بعد ما رد على جميع ما لهم هنا من الأقاويل المتعسفة. والإله أصله أله فلما دخلت أل حذفت الهمزة تخفيفا وعوض عنها حرف التعربف وإنما كانا عوضا عنها مع أن

-[5]- دخولهما قبل حذفها لأن دخولهما قبل الحذف لا بطريق اللزوم وبعده يكونان لازمين فيها فباعتبار اللزوم يكونان عوضا وهو اسم جنس لكل معبود حق أو باطل ثم غلب منكرا على المعبود بحق ثم خص بذاته بعد التعريف مشتق من أله كعبد وزنا ومعنى أو من أله بمعنى فزع وسكن أو من وله أي تحير ودهش أو طرب أو من لاه احتجب أو ارتفع أو استتار أو غير. والحاصل أن إلها بمعنى مألوه أي معبود أو مألوه فيه أي متحير فيه وقس الباقي. فمجموع الأقاويل هو المعبود للخواص والعوام المفروغ إليه في الأمور العظام المرتفع عن الأوهام المحتجب عن الأفهام الظاهر بصفاته العظام الذي سكنت إلى عبادته الأجسام وولعت به نفوس الأنام وطربت إليه قلوب الكرام. ثم تفخم لامه إذا انفتح ما قبلها أوصم طريقة مطردة لغة أو مطلقا وحذف ألفه لحن يبطل الصلاة لانتفاء بعض لفظ الموضوع ولا ينعقد به اليمين مطلقا لابتنائه على وجود الاسم ولم يوجد والبلة إنما هي الرطوبة وما أفهمه كلام القاضي من كونه كناية وجه صحيح محرر ومذهب النووي خلافه. ثم أعقب اسم الذات اسمين بصفتي المبالغة في الرحمة رمزا إلى سبقها وغلبتها على الأضداد وعدم انقطاعها فقال (الرحمن الرحيم) أي الموصوف بكمال الإحسان بجميع النعم أصولها وفروعها عظائمها ودقائقها أو بإرادة ذلك فمرجعهما صفة فعل أو صفة ذات قال في البحر: وهو أقرب إلى الحقيقة إذ الإرادة متقدمة على الفعل وأصلهما واحد لكونهما من الرحمة والرحمن عربي ونفور العرب منه لتوهمهم التعدد وأتم مبالغة من الرحيم كما وكيفا لأن فعيلا لمن وجد منه الفعل وفعلان لمن كثر منه وحق الأبلغ التأخير قضاء لحق الترقي لكنه قدم لمناسبة اسم الذات في اختصاصه به إذ لم يطلقا على غيره مطلقا إلا أن الله اسم وهو قسم من العلم كما تقرر. والرحمن وصف أريد به الثناء فأجري مجري الأعلام وليس بعلم حقيقة ومجيئه غير تابع للعلم بحذف موصوفه. ووصفه تعالى بالرحمة التي هي العطف من إطلاق السبب على المسبب وهو الإنعام والإحسان إذ الملك إذا عطف رق فأحسن إطلاقه عليه مجاز مرسل أو استعارة تمثيلية بل حول بعض المحققين جعله حقيقة شرعية وعرفية لكثرة الإطلاق بدون قرينة أو قصد تشبيه وتعقيبه بالرحيم من قبل التتميم فإنه لما دل على جلائل النعم أولى الرحيم دفعا لتوهم عدم التعميم وخطور أن الدقائق مما لا يلتفت إليه فلا يتطفل فيها عليه ووفاقا لترتيب الوجود لإيجاد النعم العامة قبل الخاصة وكلاهما صفة مشبهة. أو الرحيم اسم فاعل فالرحمن عام المعنى خاص اللفظ حيث لم يستعمل في غيره تقدس ولم يوصف به أحد سواه بين جميع الملل والنحل إلا تعنتا وغلوا في الكفر كرحمن اليمامة والرحيم بالعكس وآثرهما من بين سائر الصفات لتضمنهما الدلالة على سائر الأسماء الحسنى إذ من عمت رحمته وتمت نعمته انتفت عنه شوائب النقص وطويت النقمة في أفهام اختصاص الثاني رمزا إلى أن من شروط كمال حسن الترغيب الإشارة منه إلى مقام الترهيب كما هو الاسلوب في كتب علام الغيوب ليكون باعث الرجاء والخوف في قرن. قال بعض الحكماء: والأحسن بيانية إضافة البسملة. قال صاحب القاموس: وإنما حذفت الألف من لفظ رحمن تخفيفا ولم تحذف الياء من الرحيم خوفا من اللبس

ولما افتتح كتابه بالبسملة التي الافتتاح بها أجل افتتاح باسم الحق تقدس وهي نوع من الحمد ناسب أن يردفها باسم الحمد الكلي الجامع لجميع أفراده البالغ أقصى درجات الكمال من القول الدال على أنه سبحانه مالك لجميع المحامد بالاستقلال فأعقبها به في جملة أوقعها مقول القول فانتصب به تاركا للعطف لئلا يشعر بالتبعية فيخل بالتسوية في أصل الابتداء فقال (الحمد لله) أي الوصف بالجميل مملوك أو مستحق لله تعالى فلا فرد منه لغيره بالحقيقة ولم يكتف بالتسمية لما تقرر أن المقام مقام تعظيم فاللائق به التصريح بالحمد وقصره عليه ولأنها وإن تضمنت جهة الحمد لكن من اقتصر عليها لا يسمى حامدا عرفا ومن ثم وقع التدافع ظاهرا بين حديثي الابتداء واحتيج للتوفيق بأن البداءة إما حقيقية وهي ذكر الشيء أولا على الإطلاق أو إضافية وهي ذكره أولا بالإضافة إلى شيء دون شيء وهذه صادقة بذكر الحمد قبل المقصود بالذات وخص الحقيقي بالبسملة لأنها ذكر الذات والحمد ذكر االوصف فوجب تقديمها بقدر ما تندفع به ضرورة امتناع الجمع في المبدأ كذا قرره جمع. وقد انتهبه البعض فعزاه لنفسه بعد ما أتى بترديدات بعيدة واحتمالات

-[6]- غير سديدة أو أن المراد في كل رواية الابتداء بأحدهما أو بما يقوم مقامه ولو ذكرا آخر بقرينة تعبيره تارة بالبسملة وأخرى بالحمدلة وطورا بغيرهما فاللازم في دفع الاجذمية الابتداء بأحد الأمور لا بها كلها أو بأن رواية البسملة والحمدلة تعارضتا فسقط قيداهما كما في غسلات الكلب ورجع للمعنى الأعم وهو إطلاق الذكر والحمد يطلق على أعم من خصوصه. ألا ترى أن غالب الأعمال الشرعية لم يشرع الشارع افتتاحها بالحمد بخصوصه كالصلاة والأذان والحج فدل على أنه ليس المراد إلا إظهار صفة الكمال وهو حاصل في نحو الصلاة بالتكبير وفي الحج بالذكر المطلوب عند الإحرام فلايتوجه ما قيل عموم الأخذ منه مشكل بظاهر الصلاة والأذان. هذا محصول ما هنا من الأجوبة المرضية للعظماء وثم أجوبة شهيرة وتوجيهات كثيرة كلها مدخولة وقد بينت ما عليها من نقل ورد في شرح البهجة بما لم يجمعه قبله كتاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015