طاروا إليه زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانا

وترجمته "أكيلا"، فهذا يدل على الفصل: أَنَّ الوُحْدَانَ جَمْعُ الواحد بمعنى المنفرد، دون الواحد بمعنى أوَّل العدد، وذلك لأنه فَهِم أن الواحد في سلسلة الأعداد لا يكون إلا واحدًا، أو غيرُه إِمَّا يكون اثنين أو ثلاثًا إلى غيرِ ذلك، وهو سَهْوٌ عندي، لأن الاثنين يتركَّبُ من واحدٍ وواحدٍ آخَر، وهكذا في الثلاث ثلاثُ وُحْدان، وعلى هذا القياس. ففي المائة مائة واحدة، لا أن الواحد في سلسلة العدد هو الأول فقط. وحينئذٍ لا بأس لو كان الوحدان جَمْعًا للواحد الذي في سلسلة الأَعداد أيضًا. وحينئذٍ فالفَرْقُ أن الواحِد بمعنى المنفرد يعتبر فيه الانفراد عن الغير، بخلاف ما في سلسلة الأعداد، فإنه لا يعتبر فيه ذلك. بل أقول: إن الواحدَ الذي لِمفتَتَح العدد يقتضي تَحَقُّقَ ما سواه أيضًا، نعم الواحد بمعنى المنفرد ينافي ذلك. فتقول: أنا وحدي فعلت كذا إذا فعلته بحيث لا يكون معك غيرُك، وحينئذٍ لا يجبُ أن يكون قولهُ: "أوْتِر بواحدة" دالًا على أن تلك الركعة ليس معها غَيْرُها، بل يجوزُ أن تكونَ الواحدةُ فيه ما هو في مفتَتَح العدد، بمعنى أنه أوتر بواحدةٍ من تلك الثلاث، وترجمته حينئذٍ "إيك" لا "أكيلا".

فإن قلتُ: إنَّ الواحدة مقابلة للمَثْنَى فتكون منفصلة بسلامٍ كانفصالها. قلت: إن الواحدةَ لو كانت مقابلة للمَثْنَى لكان الكلامُ هكذا: صلاةُ الليل مَثْنَى مَثْنَى، فإذا خَشِيت الصُّبْحُ فواحدة. وحينئذٍ استقامت المقابلةُ بين المَثْنَى والواحدةِ، وانساق إلى الذِّهن أن الأَمْرَ الذي قامت به المَثْنَويةُ قامت به الوحدة أيضًا، وهو السلام، ولكن الشارع عَدَل عنه، وقابل بين المَثْنَى والإِيتار بالواحدة لإفادة التفصِّي شيئًا فشيئًا، وحينئذٍ لا يتم ما راموه.

ثُمَّ إنَّ مما يَدُلُّك على أن الواحدةَ في مِثْله تتعلَّقُ بالأخيرة، ولا يجِبُ أن يكون حالُهَا مع الأخير كحالها مع ما قَبْلِها ما قال الفرَّاءُ: معي عشرةٌ فَأَحِّدْهُنَّ، أي اجعلهن أحدَ عشرَ، أي بزيادةِ واحدةٍ بعد العشرة. فدلَّ على تَعَلُّقِهِ بالأخير، وإنْ كان أثَرُهُ على ما قَبْلَه أيضًا. ونُقِل أن ثالثَ ثلاثةٍ معناه جَاعِلُ الاثنين ثلاثًا بعد كونه معدودًا فيها. وحُكِي عن سيبويه في ثَالِث ثلاثةٍ عشرةَ وجهان: بتنوين ثالث، وبدونها، أي مع الإضافة، ولذا ذكر له الرَّضِيُّ معنيين: الأول الثالثةَ عشرةَ من ثلاثةَ عشرةَ، والثاني الثالثَ من ثلاثَ عشرةَ ودلَّ الأوّلُ على تعَلُّقِهِ بالأخير - يعني تيره مير سي تيره تير هوان ياتيره مير سي تيسرا - ثُم قال الشافعية: معنى قوله: «أوْتِر بواحدةٍ» أي مجموع ما صَلَّيْت قَبْلَه، فيكون حالُهَا مع المَثْنى الأخيرة كحالِهَا مع سائر المثنويات، فهي منفصلةٌ بسلام. وقلنا: بل معناه: أَوْتِر بها الشَّفْعَ الأخيرةَ حقيقةً وإن انسحب الحُكْم على ما قَبْلَهِا أيضًا حُكْمَا، على طريق صفة الشيء بحالِ مُتعلَّقِة. والحديث يدل مَنْ حاقه على أن الواحدة متعلقة بالمَثْنَى الأخيرة فقط، فالمعنى: أوتر بها الشفعَ الأخيرة، فإنَّ قوله صلى الله عليه وسلّم «واجعل آخِرَ صلاتِكَ وترًا» صريحٌ في أنه أُريد بالإيتار المَثْنَى الأخيرة فقط، وهي آخِرَ صلاته. وحينئذٍ تكون تلك وترًا حقيقةً، وسائرُ الصلاةِ وترًا على طور وَصْفِ الشيء بحال مُتَعلِّقِه، كيف وأنَّه نَفْسَه قد وصف أوَّل صلاتِهِ بالمَثْنَوية فقال: «صلاةُ الليل مَثْنَى مَثْنَى» فهي مَثْنَى حقيقةً فلا تكون وِتْرًا. كذلك وإنَّما تَصِحُّ وِتْرِيتُهُ على طريق ما قلنا، فهي شَفْعٌ حقيقةً ووِتْرٌ مجازًا. وإذا علمت أن حالَ المَثْنَى الأخيرةَ غيرُ حالِ سائر المثنويات، لم يجب أن يكون حالُهَا في الفصل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015