مالك بن الحُوَيْرِث عند النَّسائي: «أنه رَأَى النبيَّ صلى الله عليه وسلّم رَفَعَ يديه في صلاته، وإذا رَكَعَ، وإذا رَفَعَ رأسَه من الركوع، وإذا سَجَدَ، وإذا رَفَعَ رأسَه من السجود، حتى يحاذي بهما فروع أذنيه»، اهـ. لم أر أحدًا شَرَحَه، وقد مرَّ عليه ابن القيم في «الهدي»، والحافظ في «الفتح» والعجبُ أنهم يستدلُّون منه ولا يَشْرَحُونه أصلا، فإن ظاهره تعدُّد الرفع في القَوْمة، ففيه الرفع أربع مراتٍ: عند الركوع، وعند الرفع منه وهو في الانتصاب على ما مرَّ، وعند السجود وهو أيضًا في الانتصاب، وعند الرفع منه والذي يَظْهَرُ أنه أراد به ما بين الأمور الأربعة، فهي ثلاث: عند الركوع، وعند الرفع منه، وبين السجدتين، وإنما أَرادَ أنَّ الرفعَ في القَوْمة للمعنيين، فهو رفعٌ واحدٌ للرفع من الركوع وللسجود معًا. فَأَوْهَمَت عبارته بتعدُّد الرفع، ولم يكن مُرَادًا أصلا، ولذا لم يذكره في الرواية الثانية من النَّسائي، فانكشف أنه إيهامٌ لفظي فقط.
ولم يَثْبُت تعدُّد الرفع في القَوْمة عن أحدٍ من السلف، وكل لفظٍ لم يُوجَد مِصْدَاقه مع وفور العمل في الخارج، فهو إيهامٌ تعبيريٌّ لا غير. وبعكسه، إن العمل إذا ثَبَتَ بأمر في الخارج، وتبيَّن مِصْدَاقه، فهو سنةٌ ثابتةٌ لا يمكن رفعها ونفيها من أحدٍ، ولو أَجْلَبَ عليه بَرِجِلِهِ وَخَيْلِهِ، فلا يتمكَّن أحدٌ على نفي الترك رأسًا، كما لا يتمكَّن على إثبات تعدُّد الرفع في القَوْمة نظرًا إلى الألفاظ فقط ما لم يتبيَّن العمل به في الخارج. فالتوارثُ والتعاملُ هو معظم الدين، وقد أرى كثيرًا منهم يتَّبِعُون الأسانيدَ ويتغافلون عن التعامل، ولولا ذلك لَمَا وَجَدْتُ أحدًا منهم يُنْكِرُ ترك الرفع، ولكن الله يفعل ما يشاء.