احتاج إلى الاستدلال والتفصيل. ولو كان الرفع فاشيًا ولم يكن هناك تاركٌ كما زَعَمُوه فأيُّ حاجةٍ دَعَتْهُ إلى اهتمامه أي اهتمام؟
قوله: (وإذا كبَّر للرُّكوع). قال الشافعية: يبدأ الرفع مع التكبير، ثم يمُدّه حتى يملأَ به الانحناء.
قلتُ: وفيه عُسْرٌ لا يخفى، ثم رأيت في «شرح الإحياء». من التنبيه ذكر أن الرفع مع الانحناء مُتَعَسِّرٌ أو مُتَعَذِّرٌ فإِن كان لا بُدَّ له من الرفع عند الركوع، فالأولى أن يَرْفَعَ أولا، ثم يُكبِّرَ وينحني، ولا ينبغي أن يمشي على ظاهر شاكلة الألفاظ، فإِنها تَدُلُّ على أنه كان يرفع بعد انقضاء التكبير، وهكذا ما اختاره الشافعية رحمهم الله تعالى في الرفع من الركوع من أنه يرفعهما حين الارتفاع أيضًا غَلَطٌ، بل يرفعهما حين يَنْتَصِبُ قائمًا.
وفي كتاب «المسائل» لأبي داود عن أحمد رحمهما الله تعالى: أنه رآه يرفع يديه حين انتصبَ قائمًا. والسِّرُّ في ذلك أنهم فَهِمُوا هذا الرفع للانتصاب، فوضعوه في الارتفاع ليكونَ قبله، مع أنه للذهاب إلى السُّجُود، وحينئذٍ نَاسَبَ أن يكونَ في الانتصاب. وبالجملة إن الرفعَ إن كان في نظر الشارع، فهو في الابتداء: إما في ابتداء الركعة الأولى للافتتاح، أو ابتداء الركوع، أو عند ابتداء السجدة، أو بين السجدتين، والأخيرُ قليلٌ جدًا مع ثبوت ترك الأَوَّلَيْن أيضًا، وكان به اعتناءٌ للصغار دون الكبار، فإِنَّهم كانوا يتركونه أيضًا. أمَّا كَثْرَةُ العمل، فلم تتبيَّن بعدُ، وإن صَرَّح ابن رُشْدٍ في «بداية المجتهد»: أن مالكًا في رواية ابن القاسم اختار الترك من أجل التعامل.
قوله: (وكان لا يفعلُ ذلك في السُّجُود)، والشافعية جَعَلُوه دليلا على ترك الرفع في السُّجُود. قلتُ: بل تعرُّضه إلى النفي في السُّجُود دليلٌ على أنه كان هناك الرافعون في السُّجُود أيضًا، فأراد إخماله بذكر نحو من الاستدلال. والآن كيف ترى الحال في حديث ابن عمر رضي الله عنه، فإِنه يريد نفي الرفع في السُّجُود، ويترشَّحُ منه الإيجاب، ويريد إيجابه في الموضعين ويترشَّحُ منه النفي فيهما، وهذا كما قيل: إن في مِضَ لَمَطْمَعًا (?). ثم إن حديث