والحاصل أنَّ اللِّعان لما كان في المَحْكَمة، جاءت الفُرْقة فيها أيضًا من قبل القاضي، بخلاف الإيلاء، فإِنه يقومُ مقامَ الطلاقِ بنفسه، ويتم في بيته، فاسْتَغْنى عن تَفْريقه.
قلتُ: ولما جَعَل القرآنُ اللِّعان عبارةً عن الشهادات، عُلم أن فيه مدخلًا للقضاء، فإِنَّ الشهاداتِ لا تُسمع إلَّا بمجلسه. ومن ههنا عُلِم أنَّ التفريقَ في اللِّعان من باب القضاء، فلا يتولى به غيرُه، بخلاف الإِيلاء، فإِنه من الدِّياناتِ، فيجري حُكْمه في كلِّ زمان. قلتُ: ولو اجتمع المسلمونَ اليوم أيضًا، وفَرَّقوا بين المتلاعِنَين، كما يُفرِّق القاضي، وَسِع لهم، حيث يقومون مَقامه، كما في سائر المعاملات.
والخامس (?): أَنَّه هل يجوزُ للزوج أن يَقْتل الزاني حين يراه يَزْني بامرأته، فقد مرّ معنا أنه يَحِلُّ له ديانةً. ثُم إنْ بلغ أَمْرُه إلى القاضي يَقْتله قِصاصًا إنْ عَجِز عن إقامةِ البيِّنة على الزِّنا.
والسادس: مسألةُ المَشْرِقية والمَغْربي. واعلم أنه قد ذكرنا مِن قبل أن الولدَ عندنا يتبع الفراشَ، وهو عندنا عبارةٌ عن النِّكاح دون الوقاع. فإِذا تزوَّج مغربيٌّ مشرقيةً، وأتت بالولدِ في ستةِ أَشْهر، يثبت نَسَبُه منه، وقد جعلَها الناسُ أُضحوكةً، وقالوا: كيف يَثْبت النَّسَبُ مع امتناع الوطء في الصورة المذكورة! فاشترط له الشافعيةُ إمكانَ الوقاع أيضًا، وعَجِز ابنُ الهُمام عن جوابه.
قلتُ: أما اشتراطُ إمكان الوقاع فلا عبرةَ به عندنا، كيف وليس على القاضي أن يَطَّلع على سرائر الناس. أما النِّكاح فهو أَمْرٌ يكون على رءُوس الخلائق، يَعْلَمُه كلُّ أَحَد، بخلافِ الوطء، وفي مِثْله يُدار الحُكْم على الأسباب الظاهرة. أَمَّا استبعادُهم ثبوتَ النَّسَب، فيبنى على تَناسي باب اللِّعان، كما قيل:
حَفِظْت شيئًا وغابت عنك أَشْياء.
فإِنَّه يَجِب على الزَّوْج شَرْعًا أن يلاعِنَ امرأتَه إنْ عَلِم أنَّ ولدَها ليس منه، فإِذا أقام