له صلى الله عليه وسلّم كانت رؤية حقيقة وأمكن أن تكون بدون الحجاب أيضًا، إلا أن مهابة الكبرياء مَنَعَ التحديق إليه، فصارت بين بين، وكان كما قيل:
*فبدا لينظرَ كيف لاحَ فلم يُطِق ... نظرًا إليه وردَّه أشْجَانُه
ولكنه صلى الله عليه وسلّم تشرَّف برؤيته تعالى، ومَنَّ عليه ربُّه بها وكرَّمَه، وتفضَّل عليه بنوالِهِ، وأفاضَ عليه من أفضاله، فرآه رآه كما قال أحمد رحمه الله تعالى مرتين. إلا أنه رآه كما يرى الحبيبُ إلى الحبيب، والعبد إلى مولاه، لا هو يَمْلِكُ أن يَكُفَّ عنه نظرَه، ولا هو يستطيع أن يُشِخص إليه بَصَرَه. وهو قوله تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} فالزيغ: أن يتغافل عن جمال وجهه، فلا يراه مستجمَعًا. والطغيان: أن يراه، ولكن يتجاوز عن حَدِّه، فيقع في في إساءة الأدب. وهذا إثبات لرؤيته في غاية اعتدال. فالحاصل: أنها كانت بحيث لا يصفُها واصف، أمَّا أنَّها كيف كانت؟ فلا تَسأل عنها، فإنها كانت وكانت.
*أَشْتَاقُهُ فإذا بَدَا ... أطرقتُ من إجلالِهِ
ولو كانت (?) رؤية منام لما احْتِيج إلى تلك الاحتراسات.
ومن ههنا اختلفوا في نفس الرؤية لعامة المسلمين في الجنة. هل تحصل برفع الحجاب؟ أو تكون في الحجاب؟ فجنح الشيخ الأكبر إلى أن رداء الكبرياء لا يُرفع في الجنة أيضًا، فإن المرئي في الرداء يُعَدُّ ذاتُهُ مرئيًا عُرفًا، كما لو رأيت رجلًا في ملبوس، لا تقول إلا أنك رأيتَ ذاته حقيقة. ولا يُشترط لرؤية الشخص رؤيته مجردًا عن اللباس. وإنما يكون المراد منه ما هو المعروف، والمعروف فيها ما قلنا. فكذلك الله سبحانه يكون مرئيًا البتة، إلا أن رؤيته تكون في رداء الكبرياء عنده، وهي التي بَشَّر بها الله سبحانه عبادَه بالغيب. وذهب العلماء إلى أنها تكون برفع الحجاب، على ما وقع من تشبيه رؤيته برؤية القمر ليلة البدر. وهذا التشبيه لا يَرِدُ على ما اختاره الشيخ، كما سبقت الإشارة إليه، فإن المراد في الأحاديث من عدم الحجاب عنده، سوى