يَفْهَمْه صاحبُ «العناية» وزعم أن صاحب «الهداية» أجازَه تحت مسألةٍ عامَّة من باب القضاء، أنَّ القضاءَ إذا لَحِق فَصْلا مُجْتهِدًا فيه صار مجمعًا عليه.
وحاصله أن استمتاع الغني، وإن لم يكن جائزًا عندنا، لكنه إذا لحِق به قضاءُ النبي صلى الله عليه وسلّم صار جائزًا عندنا أيضًا. فبقي المَذْهب عدم الجواز. وإنَّما نزلنا إلى الجواز لمسألةٍ أخرى. قلت: والصوابُ أن صاحب «الهداية» أجازه على المذهب، فللغَنيِّ أن يستمتع بها أيضًا عند إذن الإِمام، أما ما ذكره صاحب «العناية» فلا اختصاص له ببابٍ دون باب، بل يجري في كلِّ باب، كيف وإن هذا الباب إنما حدث بعد زمن الأئمة، والكلام في زمن النبيَ صلى الله عليه وسلّم.
ثم اعلم أنهم اختفلوا في تعريف المُجتهد فيه على ثلاثة آراء: ففي «فتح القدير»: أن المجتهد فيه ما دار فيه الخلافُ في القرون الأولى. ويستفادُ من كتاب - «القُدُوري» - أنه ما لا يكون مخالفًا للكتاب والسنة والاجماع، فإِنْ خالفَ واحدًا منها لا يُسمى مجتهدًا فيه، والثالث ما في عبارة صاحب «الهداية» فراجعه.
واعلم أنَّ الأئمة إذا اختلفوا في مسألةٍ فلا سبيل لِرَفْعه إلا قضاءُ القاضي. فهذا باب في الشريعة لرَفْع الخلاف من البَيْن، وكان لا بدَّ منه. فإِذا قَضَى به قاضٍ من أيِّ مذهبٍ كان، لَزِم على الآخرين، وارتفع الخلافُ في ذلك الجزئي، وصار مجمعًا عليه.