الشريكِ شُفْعَةً، وحقوق الجار حقًا مطلقًا فقط. أما الفقهاءُ فسمَّوْا كليهما شفعةً، فلم يَبْقَ نزاعٌ إلا في التسمية.
وحينئذٍ، فنفُي الشُّفْعَةِ في الحديث راجعٌ بالنظر إلى اصطلاحه، وإثباتُ الفقهاء بالنظر إلى مصطلحهم (?). فإن أراد الشافعيةُ أن يُنْكِرُوا حقَّ الجار رأسًا، فالحديثُ واردٌ عليهم لإِثباته ذلك الحقْ، مثل الشريك، وإن لم يكن سَمَّاه شفعةً. وإن أراد الحنفيةُ ثبوت ذلك الاسم، فلا سبيلَ لهم إليه من الحديث. والحاصلُ: أن المسألةَ في يد الحنفية، والتسمية والعنوان في يد الشافعية.
ومرَّ الشيخُ ناصر الدين بن المنير على هذا الحديث، ولعلَّه في تفسير سورة «مريم» فقال: إن قوله: «ما لم يُقْسَمْ»، يَدُلُّ على أن هذا المال كان قابلا للتقسيم، ثم لم يُقْسَمْ، لأن حرف «لم» إنما يُسْتَعْمَلُ في محلَ يكون من شأنه الإِثبات. فَيُقَالُ: لا يتكلَّم الحجر، ولا يُقَالُ: لم يتكلَّم الحجر، لأنه ليس من شأنه التكلُّم. ثم قال: ولا تقسيمَ مع الجار، فإنه فرعُ الاشتراك، ولا اشتراكَ معه ليقسم. فأَرَادَ منه أن يَنْفي الشُّفْعَةَ للجار.
قلتُ: والصوابُ عندي: أن أمثال تلك النكات البلاغية إنما تَلِيقُ بشأن القرآن للثقة بحفظ لفظه. أمَّا في الحديث، فالبابُ أوسعُ منه.
وَقَالَ الْحَكَمُ إِذَا أَذِنَ لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ. وَقَالَ الشَّعْبِىُّ مَنْ بِيعَتْ شُفْعَتُهُ وَهْوَ شَاهِدٌ لاَ يُغَيِّرُهَا فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ.
2258 - حَدَّثَنَا الْمَكِّىُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ قَالَ وَقَفْتُ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، فَجَاءَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى إِحْدَى مَنْكِبَىَّ إِذْ جَاءَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا سَعْدُ ابْتَعْ مِنِّى بَيْتَىَّ فِى دَارِكَ. فَقَالَ سَعْدٌ وَاللَّهِ مَا أَبْتَاعُهُمَا. فَقَالَ الْمِسْوَرُ وَاللَّهِ لَتَبْتَاعَنَّهُمَا. فَقَالَ سَعْدٌ وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُكَ عَلَى أَرْبَعَةِ آلاَفٍ، مُنَجَّمَةٍ أَوْ مُقَطَّعَةٍ. قَالَ أَبُو رَافِعٍ لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهَا خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَوْلاَ أَنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ». مَا أَعْطَيْتُكَهَا