الحنفية أيضًا (?)، إلا أنهم لم يجعلوه حجةً ملزمةً، وإليه ذهب مالك. فإنْ وقع الاختلافُ بين الخارِصِ والمالك لا يُقضى عليه بقولِ الخارصِ فقط.

فإن قلت: فأيُّ فائدةٍ في الخَرْص؟ قلتُ: الفائدةُ ما قد علمتَه آنفًا من اليُسر للجانبين. ومن سوءِ بعض عباراتِ أصحابِنا، نُسبَ إلينا عدمُ اعتباره مطلقًا، وليس بصواب، فإن الأحاديثَ قد وردت به صراحةً. وجعل الشافعيُّ قولَ الخارص حجةً إن ظهرَ خلافُه بعد الكيل. ولهم في التَّضمِين قولان: التضمين، وعدمه، والأظهرُ هو الأول. قلتُ: وعلى الثاني لم يبق بينَنَا وبينهم كثيرُ فرقٍ.

والحاصل: أن الخَرْصَ ليس أمرًا فاصلا عندنا. والنفعُ فيه أن يبقى للمالكين تذكارًا للخرص، فلا يرزأوا حق الفقراء. والذي يدل على أن الخرصَ تخمينٌ فقط، قوله صلى الله عليه وسلّم للخارصين: «دعوا الثُّلُثَ، فإن لم تدعوا الثلث، فدعوا الربع»، فدل على أنه أمرٌ تقريبيُّ فقط. وليس من اللازم أن يكون ما خَرَصه صحيحًا، فإن الإِنسانَ قد يغلطَ في الحزْرِ، فأمرهم أن ينقِصُوا منه الثلث أو الربع، لئلا يتضرَّرَ به المالكون. ولو كان أمرًا فاصلا لما ردد بالثلث أو الربع، فإن الثلث قد يزيد على الربع بمقدارٍ كثير، فالاستثناء بالترديد مع التفاوتِ الفاحش بين الثلث والربع، يدلُّ على أنه أمر تخمينيٌّ لا غير. وقد اختلف الناسُ في شرح الجملة المذكورة على أقوال، وجرَّها كلٌّ منهم إلى مذهبه. وقد ذكرناها ما لها وما عليها في أمالي «جامع الترمذي».

1481 - قوله: (فألقته بجبل طيء)، وفي الشروح: إنه لم يمت، ولقي النبيَّ صلى الله عليه وسلّم بعد ما رجع.

قوله: (إني مُتعجل إلى المدينة)، لا يريد به السرعة في السير، بل الذهابَ من أقرب الطريقين.

قوله: (هذا جبل يحبنا) ... إلخ، فيه دليلٌ على أنَّ في الجمادات أيضًا شعورًا. ثم إن أُحدًا من الجنة، وأن عَيْرًا من جهنم. وظني أنه إذنْ لا يكونُ يسبِّحُ، وقد رأيت في رواية أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم مرّ على الجندان - جبل بناحية مكة - فقال: «سبق المفردون» وكنت أتفكَّرُ في معناه، وأنه لم قال هذا عند هذا الجبل؟ حتى رأيت في «الوفا» للسَّمْهُودي، أنه كان يشير إلى قولِ شاعر:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015