والثالث: فلكونه مدارًا، باعتبار كون الحِقَّة من وظيفة الخمسين في نظر الشارع، كالشاة للمئة. إلا أن هذا النظر انكشف بعد المئتين. كما انكشف في الشياه بعد ثلاث مئة، وإن كان هو المقصود من أول الأمر.

وبعد اللُّتَيَّا والتي أن الحديثين حُجتان لنا، أما حديث علي عند أبي داود فَزَعَمه الشافعية أنه حجة لهم، لإِدارته على الخمسينيات، فعدم ذكرِ الأربعينيات فيه عندهم محمول على الاختصار.

قلتُ: بل هو حجةٌ لنا، وتَركُ ذكرِ الأربعينيات قصدي، لا لأنه مختصر من المطول، كما فهموه. وذلك لأن التفصيل الذي رواه ابن أبي شيبة عن علي موافقٌ للحنفية قطعًا. فإذا علمنا مذهبَه من الخارج، وجبَ علينا أن نحملَ مرفوعه أيضًا على ما اختاره في الخارج. نعم، لو لم يثبت لنا مذهبه لكان للتأويل في مرفُوعِهِ مَسَاغٍ، وهو مذهب ابن مسعود، وإبراهيم النَّخعي - كما في الطحاوي، وسفيان الثوري - كما في كتاب «الآثار» - بسندٍ قوي.

ثم في حديث على شيءٌ يخالفنا، وهو أنَّ في خمس وعشرين خمسةً من الغنم؛ مع أن الواجبَ فيه بنتُ مَخَاض، فإن كان بالتقويم فلا بأس بها عندنا أيضًا، مع أنَّه تكلم فيه سفيان الثوري (?)، وقال: إنه غَلَطٌ وَقَعَ من بعض الرواة، فإن عليًا أفقه من أن يقول هكذا. وحديث أبي داود هذا وإن ترددَ بعض الرواة في وَقْفِهِ ورفعه، إلا أنه صحَّحَ رفعَه ابن القطان في كتاب «الوهم والإِيهام».

وليعلم أنه يُعلم من البخاري أن عليًا كان عنده كتابٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أحكام الزكاة. فإذا علمنا من الخارج مذهبَه على وَفْقِ مذهب الحنفية، حكمنا برفعِهِ قطعًا، وأن مذهب الحنفية على وَفْقِ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم عنده. وإن استدلال الحنفية مذكور في البخاري، ويقضى العجب من مثل الحافظ أنه نقل جميع قطعات هذا الكتاب، ولم يذكر ما كان فيه من أحكام الزكاة. وقد يدورُ بالبال أنه أهمَلَه قصدًا، فإنَّ الصدقات فيه كانت موافقةً لمذهب الحنفية. وهذا من دأبي أَني إذا لم أجد شيئًا في البخاري. ثم أجدُ تفصيلَه في الخارج بطريقٍ صحيح، أعزوه كُلَّه إلى البخاري.

ولذا قلت: إن استدلال الحنفية من كتاب البخاري. واحتج الشافعية بما عند أبي داود (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015