في مهب المعركه (صفحة 158)

إن لكل ثورة فلسفة ثورية؛ ففلسفة غاندي لم تكن مركزة على مفاهيم القوة والعنف، بل على مفاهيم البقاء والشعور بالألم.

ولقد مرت الأيام على هذه الصفحة الماجدة وعلى التجربة الفريدة، دون أن تكذب في هذه تفصيلا واحداً، أو في تلك سطراً واحدا. فجاء عهد التنفيد عندما تحررت البلاد فبقيت ((سياسة)) نهرو وفية لفكرة غاندي.

وفي هذا أكبر دليل وأوضح برهان على وحدة ثقافة!! ..

فالساتياجراها لم تلعن العنف فقط، بل طهرت ميدان السياسة من النفاق- وطردت منه ذلك الازدواج (مثالية- واقعية) في بلد لا يسمح فيه للعمل أن يكذب النية، ولا لمذهب أخلاقي يتعامل به الناس في الشارع أن يكذب مذهبا أخلاقيا مقبورا في الضمائر لا أثر له في الحياة.

فليس اللاعنف إلا مظهرا- المظهر السياسي- للروح الفيدي، الذي جعلت منه الهند العصرية أساساً لوحدة ثقافتها ومضمون رسالتها، هذه الرسالة التي تكون في العالم الغاص بروح العنف وبالسلاح الذري، النقيض الوحيد لهذه الأشياء.

ويمكن القول إِن هذه المناقضة هي السبب القوي- الذي دفع رومان رولان إلى رفع صوته وتوجيه ندائه إلى هذا الجيل، مناديا برسالة السلام التي تتضمن، في حيز القوة، وفيما تحتويه فكرة الساتياجراها من بذور المصير، تتضمن مصير الإنسانية إلى توحيدها وإلى وحدة ثقافتها.

ومما هو جدير بالملاحظة، أن الضمير الهندي يتضمن اليوم أكثر من غيره، في نطاق السياسة، فكرة هذا المصير بل ربما هي في جوهره.

وعندما يقرأ غاندي شيئاً من القرآن، بعد ما يكون قد قرأ شيئا من كتاب ((الأوبانيشاد)) أو الإنجيل، فليس لمجرد التسلية، بل هي صورة تعبر عن ثقافته واستعداداته الروحية في عالم الواقع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015