الهندية- حسبما يبدو- باتصال هذه الروح بثقافة الغرب، ذلك البصيص من النور الذي أضاء على وجه الخصوص حياة فيفيكانندا وإنتاجه الفكري أي باكورة الانتاج الفكري في الهند بعد أفول طويل.
لقد كان هذا البعث فعلا في غرة هذا القرن، وفي مجال الروح بالذات في صورة بعث للفكر التقليدي، أي في وقت سيكون فيه هذا البعث الروحي المقدمة التي تفرضها الظروف لليقظة السياسية التي ستتبع وستصنع الهند ((العصرية))، حتى يمكن القول إن الهند الجديدة هي الهند القديمة، لا في ظاهر الأشياء ولكن في جوهرها، لأنه في بلاد انتقال الأرواح ( Métempsychose) لأشياء لا تفنى، وإنما تتغير وتُصيَّر، فروح الهند القديمة لم تمت عندما أشرقت عليها الحضارة الغربية، وإنما بعثت بعثاً جديداً.
فالهند الفتية وجدت في الروح التقليدية وفي الفكرة الفيدية ما صنعت به روح ثورة الستياجراها وفكرتها، وما كان لهذه الظاهرة- ظاهرة امتصاص فريدة- أن تتحقق لولا شخصية غاندي الذي لم يكن الرجل السياسي بالمعنى الدارج، أي بالمعنى الذي يضع السياسة تحت تصرف الظروف دون قيد ولا شرط، بل كان القسيس الذي يخضع العمل والسياسة لشروط القداسة.
ومن المعلوم أن ميدان السياسة- بالمعنى الذي تضفيه الحضارة الغربية على هذه الكلمة- هو ميدان النفاق والكذب والشعوذة و ((الشطارة)) والانتهازية.
فغاندي دخل هذا الميدان من أجل تحرير بلاده، ولكنه لم يدخله إلا بسلاح الصدق والاخلاص والوضوح واللاعنف.
ولقد كان من نتيجة هذا السلوك وتحديد هذه الوسائل، في ميدان السياسة - أي في الميدان الذي وضعت عليه ظروف القرن العشرين طابع التصنع والخداع- أن أعيد له، في خطة الساتياجراها، ذلك الانسجام الذي فَرَّطَتْ فيه الحضارة العصرية وهو الانسجام بين الظاهر والباطن، بين النية والعمل، بين الخاطر والقول.