ورثناها من عصر ما بعد الموحدين، أخطر علينا من الفئة الأخرى.
ويكفينا- كي نتأكد من هذا- أن نلقي النظر على قائمة الأفكار التي فعلت فعلتها، في التاريخ فقتلت المجتمع الإسلامي ... إن هذه الأفكار، التي لا زالت - باعتبارها أصبحت ميتة- تكوّن الجانب السلبي في نهضتنا، قد كانت تكوّن الجانب الإِيجابي أو ((القتال)) في عهد التقهقر والأفول الذي مر على الحضارة الإسلامية، هذه الأفكار إذن كانت قتالة في مجتمع حي قبل أن تصبح ميتة في مجتمع يريد الحياة، غير أنها بكل تأكيد لم تولد بباريس أو لندن بل ولدت بفاس والجزائر وتونس والقاهرة ...
لم تنشأ في مدرجات أكسفورد والسربون ... ولكنها نشأت تحت قباب جوامع العالم الإسلامي وفي ظل صوامعه.
هذه حقيقة في منتهى الوضوح: إن كل مجتمع يصنع بنفسه الأفكار التي ستقتله، لكنها تبقى بعد ذلك في تراثه الاجتماعي ((أفكاراً ميتة)) تمثل خطراً أشد عليه من خطر ((الأفكار القاتلة)) إذ الأولى تظل منسجمة مع عاداته، وتفعل مفعولها في كيانه من الداخل، إنها تكون ما لم نجر عليها عملية تصفية، تكون الجراثيم الموروثة الفتاكة التي تفتك بالكيان الإسلامي من الداخل، وهي تستطيع ذلك لأنها تخدع قوة الدفاع الذاتي فيه.
يجب أن نطبق تفكير باستور في المجال البيداغوجي كي ندرك هذا الجانب المرضي في مشكلة الثقافة عندنا، وقد أعطانا الكاشاني هذه الأيام صورة عن هذا الجانب في المجال السياسي، إذ تمثلت فيه الجرثومية الداخلية أو ((الفكرة الميتة)) التي خدعت وخدرت قوى الدفاع الذاتي في ضمير الشعب الإيراني، ومن الجدير بالملاحظة أن الدكتور مصدق لم يسقط تحت ضربات الاستعمار- المتمثل في أكبر شركة بترول في العالم- ولكنه خر تحت ضربات القابلية للاستعمار، الناطقة باسم الله والوطن.
وإننا ندرك في ضوء هذا المثال الحدة التي تتصف بها ردود الأفعال دفاعاً