بقلم الأستاذ محمود محمد شاكر
لعلي لا أبالغ إذا قلت: إن هذه المجموعة من مقالات أخي الأستاذ مالك بن نبي، هي عندي من أنفس ما كتب، لا لأنها تتناول موضوعا لا نزال نعيشه وعاش فيه من قبل آباؤنا، ولا تزال آثاره باقية فينا، تعمل عملا مدمراً في حياتنا كلها، ولا لأنها تاريخ متصل مغموس في الشرور التي ارتكبها الاستعمار في بلادنا، ولا لأنها تذكرة لنا ولأبنائنا بما يخشى أن ينسوه من النكبات التي حاقت بهم. كلا، بل هي أنفس شيء عندي، لأنها تكشف لنا عن فكر رجل خبير فكر في الأمور ساعة بعد ساعة، وقيد هذا الفكر في حينه، فإذا نحن نرى أنفسنا في ضوء ما كتب قديما، كأننا لم نتقدم خطوة في فهم البلاء الذي ينزل بنا ولا يزال ينزل.
وأشد النكبات التي يصاب بها البشر، نكبة الغفلة، لأنها محو لما تقوم به حياة الناس، والمرء لا يكون إنسانا نامياً إِلا مع اليقظة فإذا سلب اليقظة، فقد اسقر في حومة الموت والهلاك، وإن بقي حيا يتحرك.
وهذه المقالات المتفرقة المعاني، المتباعدة الأزمان، يضمها معنى واحد في زمان واحد، فالمعنى الذي يضمها هو معنى الاستعمار وهو معنى واحد، وإن اختلفت وسائل التعبير عنه قي نواحي الحياة الإِنسانية. والزمن الذي يجمعها، هو زمن واحد، هو زمن الاستعمار، وإن اختلفت عليه الأيام والليالي والشهور والسنوات. والنتيجة التي يخلص إليها قارئها، إذا أحسن القراءة وأخذها مأخذ الجد، هي أننا عشنا في أكبر مؤامرة على العالم الإِسلامي وتوابعه ولكننا مع ذلك لا نزال نعيش في هذه المؤامر كأنها تعني أحدا سوانا ولا تعنينا في شيء