ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه، وكان ينزل جملا جملا وآيات آيات لبيان التوحيد والفروض الدينية بحسب الوقائع. ومنها ما هو في العقائد الإيمانية، ومنها ما هو في أحكام الجوارح، ومنها ما يتقدم ومنها ما يتأخر ويكون ناسخا له. وكان الرسول يبين المجمل، ويميز الناسخ من المنسوخ ويعرفه أصحابه، فعرفوه وعرفوا سبب نزول الآيات، ومقتضى الحال منها ... ونقل ذلك عن الصحابة وتداول ذلك التابعون من بعدهم ونقل ذلك عنهم، ولم يزل متناقلا بين الصدر الأول والسلف حتى صارت المعارف علوما ودونت الكتب، فكتب الكثير من ذلك، ونقلت الآثار الواردة فيه عن الصحابة والتابعين، وانتهى ذلك إلى الطبري والواقدي، والثعالبي، وأمثال هؤلاء من المفسرين ...
ثم صارت علوم اللسان صناعية: من الكلام في موضوعات اللغة وأحكام الإعراب، والبلاغة في التراكيب، فوضعت الدواوين في ذلك بعد أن كانت ملكات للعرب لا يرجع فيها إلى نقل ولا كتاب، فتنوسي ذلك، وصارت تتلقى من كتب أهل اللسان، فاحتيج إلى ذلك في تفسير القرآن، لأنه بلسان العرب وعلى منهاج بلاغتهم ... (?)»
فالتفسير في الأصل تفسير أثري يستند إلى الرواية عن الصحابة والتابعين.
لكن التفسير تطور فيما بعد- حين دونت علوم اللغة والبلاغة- ووجد إلى جانب التفسير الأثري تفسير قام على الدراية. ومع ذلك، فمثل هذا التفسير لم يخلص من أثر التفسير الأثري، بل بقيت للروايات الصحيحة آثارها في توجيه الفهم، وإيضاح النص.
لكن التفسير الأثري حوى كثيرا من الروايات التي يتطرق إليها الشك، وجمع عن أهل الكتاب روايات لا ترتبط بنص القرآن الكريم، وتعرف هذه بالإسرائيليات. يقول ابن خلدون عن كتب التفسير الأثري إنها «تشتمل على الغث والثمين، والمقبول والمردود، والسبب في ذلك أن العرب لم يكونوا أهل كتاب