الله عليما حكيما). الآية 104 من سورة النساء، تلك الضمائر والنفوس التي سقاها الخالق العليم من ينبوع الإيمان الصافي من كل الأكدار، فأحياها بعد ما أماتها قحط الشرك والضلال، فنقلها من عالم الموتى وأصناف الجمادات، إلى عالم الكائنات الحية والمفكرة في مصيرها المنتظر، فنزل غيث الإيمان عليها فطهرها من أوساخ وأقذار طال بها الأمد عليها، وهي تعلو أجسام البشرية، فنسيت، بها هذه البشرية المصدر الحقيقي لوجودها وحياتها ودوامها، وتشبثت بخيوط الأوهام التي هي أو هي من نسيج العنكبوت، لا تغنيها عن حبل الله المتين شيئا، فذلك الذي لاح لها من قبل سراب خادع، وأمل ضائع، غير الكثيرين ممن لم يعتصموا بحبل الله المتين، إذ لابد للإنسان من البحث عن الحقيقة ليتبعها، تلك الحقيقة التي فيها نجاة الإنسان المفكر، مخافة أن يتعثر في سلوكه للدروب الجبلية الصعبة وكثيرة التعاريج المملوءة بالأشواك التي تعطل السائر فيها عن بلوغ المرام، فإن تلك الدروب كثيرا ما أضلت سالكيها وألقت بهم في الهاوية وما أدراك ما الهاوية، فقد أدرك الله بالإيمان والهداية إليه نفوسا سبق في علمه أنها مهيأة للإيمان به وبوجوده، وبأنه المصدر الوحيد لكل موجود، تجلت فيه عظمة الخالق وقدرته وإرادته فصدقت به إلها واحدا لا شريك له، فهو رب كل شيء، سبحانه ما أبدع صنعه، وما أجل وأعظم قدرته وما أوسع علمه، وحلمه وعفوه، لم يعجل بعقاب