مع ذلك منهم، ولم يردّ لي إلى الآن كتاب «كشف الظنون» الذي نسيت من استعاره مني منذ إحدى عشرة سنة ...
ولهؤلاء المستعيرين نوادر شهدت منها العجب، منها أن أستاذاً محترماً في قومه جاءني مرة يلتمس إعارته جزءاً من تفسير الخازن من خزانة كتبي، ليراجع فيه مسألة ويرده إليّ عاجلاً، ففعلت؛ وانتظرت أربع ... أربع سنوات والله ثم ذكرته به؛ فغضب وقال: «لإيش العجلة يا أستاذ، لم أراجع المسألة بعد ...»!
والذي يذكر منهم صاحب الكتاب ويتنازل فيرده إليه، يرده مخلوع الجلد ممزق الأوصال. وأنكى منه المستعير المحقق المدقق الذي يرى في الكتاب موطناً يحتاج إلى تعليق، فيكتب التعليقة التي يفتح الله بها عليه، على هامش كتابك بالحبر الصيني الذي لا يمحى ولا يكشط، ويذيّلها باسمه الكريم!!
وشر من هؤلاء جميعاً الثقيل الذي يتظرف ويتخفف، فيرى أن من الظرف سرقة الكتب، فإذا زارك وتركته في المكتبة وخرجت لتأتيه بالقهوة أو الشاي أخذ كتاباً فدسّه تحت إبطه، أو وضعه في جيبه ثم ذهب به وأنت لا تدري (?) ..
...
وربما كان هذا المدين المماطل، وذلك الذي يأكل الدين وينكره، والذي يستعير الكتاب ويمسكه، ربما كانوا عند العامة من أقطاب الوقت وأولياء الله الكبار؛ ذلك لأن الناس جهلوا حقيقة التقى وبدلوا معناه، فكان التقي في صدر الإسلام هو الذي يتقي المحارم والمظالم ما ظهر منها وما بطن، ولا يدخل جوفه ولا جيبه إلا طيباً حلالاً، ويفر من مواطن الشبهات، ولا يطلب المال إلا لإمساك الرمق ونيل القوام، والعيش عيش القناعة والرضا، ولا يأخذه إلا من حلّه. ولم يكن الرجل ليشهد للرجل بالتقوى إلا إن صحبه في سفر، أو عامله في