ذكرتني بما نكاد نراه كل يوم من الحوادث وما يكاد يعرف له كل قارئ شبيهاً ومثيلاً، حين يأتيك الرجل من أصدقائك أو جيرانك متذللاً متواضعاً، مظهراً للتقى والأمانة، يسألك أن تقرضه مالاً قد تكون أنت في حاجة إليه في يومك أوغدك ويذكرك الكرم والثواب؛ وربما استعان عليك بمن لا يرد طلبه عندك فتعطيه ما يريد، تضعه في كفه خالياً به، تستحيي أن تشهد عليه شاهداً، أو تأخذ به كتاباً، مع أن الله أمر بكتابة الدين إلى الأجل المسمى أمر ندب واستحباب، لا أمر إيجاب وافتراض، فيأخذه منك ويذهب شاكراً فضلك، مثنياً عليك ثناء يخجلك ويضايقك؛ ثم لا تراه بعد ذلك ولا تبصر له وجهاً فتفتش عنه لتسأله رد المال وقد انقضت مدة الدين، وتجددت حاجتك إليه، فيروغ منك، وينأى عنك ... فتطرق بابه، فيقال لك هو غائب عن الدار، فتعود إليه في الصباح فيقال هو نائم، فترجع بعد ساعة فيقال خرج ... فتبتغي إليه الوسائل وتتشفع إليه بالأصدقاء ... فيلقاك شامخ الأنف مصعّراً خده، يقول: (يا أخي، أزعجتنا بهذا الدين ... ما هذا الإلحاح الغريب؟ أتخاف أن آكله ... !) وينتهرك وأنت تداريه ... ثم إن كان (رجلاً طيباً) دفع إليك الدين، ولكن قرشاً بعد قرش، و (ورقة) (?) بعد (ورقة) فتريق في استيفاء دينك ماء وجهك، وتنفق فيه الثمين من وقتك، ثم لا تنتفع منه بشيء. وإن لم يكن (صاحب ذمة) أكل الدين كله، وصرخ فيك حيثما لقيك: (ما لك عندي شيء. اشتك للمحاكم!)، وهو يعلم أنه لا سند في يدك، ولا بينة لك عليه ... وهبك أخذت منه كتاباً بدينك، أفتصبر على طول المحاكمة ومتابعتها وتأجيلها وتسويفها، و (رسومها ومصارفها) .. إن ضياع المال أهون من إقامة الدعوى به (?).
ومثل هؤلاء المقترضين (الأفاضل) مستعيرو الكتب، أولئك الذين تركوا في قلبي غصصاً حلفت بعدها بموثقات الأيمان أني لا أعير أحداً كتاباً. ولم أنج