تذهب إلى الخياط الحاذق الذي ألفته وألفك واستمررت على معاملته عمرك، والخياط من شرور المدنية لا يستغنى اليوم عنه، وقد انقضى زمان كان الرجل فيه يخيط لنفسه أو يخيط له أهله، وكان الثوب يتخذ فيه لمجرد الستر والدفء، ولم يبق لك منجى أن تؤم الخياط تحمل إليه (الجوخ) الثمين، وتسأله أن يضرب موعداً لا يخلفه ينجز لك فيه ثوبك الذي تريده للعيد أو للزفاف أو للسفر، ولكل واحد من أولئك وقت لا يتقدم عنه ولا يتأخر، فالعيد لا ينسأ لك في أيامه، والزفاف إن أعلنته لا يؤجل، فيعدك ويؤكد الوعد، فإذا جئت في اليوم الموعود وجدته لم يمس بعد قماشك، فإذا زجرته أو أنبته أخذك باللين وراغ منك وحلف لك مائة يمين غموس أنه نسي أو مرض، أو أنه لم يعدك في هذا اليوم ولكن كان (سوء تفاهم)، وأنك راجع في يوم كذا فواجد ثوبك معداً، وتعود ويعود إلى كذبه، حتى يمضي العيد أو الزفاف ولا يبقى للثوب فائدة، وربما جعله قصيراً أو ضيقاً أو (معتلاً) أو (مضاعفاً) أو (مجوفاً) ... أو على خلاف ما استصنعته عليه ولا حيلة لك فيه، ولا سبيل إلى إصلاح ما فسد، فتلبسه مكرهاً أو تلقيه في دارك حتى تأكله (العثة) والأرَضة.
وهذه الحال من إخلاء المواعيد، واختلاق الأكاذيب، عامة في أرباب الصناعات في بلادنا لم ينج منها إلا الأقل الأقل ممن عصم ربك. ولقد وقع لي أني كنت على جناح سفر إلى العراق، وقد أعددت له كل شيء، واتخذت له مكاناً في السيارة ولم يبق إلا يوم واحد فخطر لي أن أبعث إلى الكواء (?) بحلتي الجديدة لكيّها حتى إذا نزلت بغداد لبستها صالحة، وبيَّنت له استعجالي ونفضت إليه قصة حالي، ونهيته أشد النهي عن غسلها، لأنه يفسدها ويؤخرني عن غايتي فما كان منه إلا أن غسلها، طمعاً بفضل أجرة ينالها، فأفسدها وجعلني أسافر وأدعها.
وآخر من الكوائين غسل معطفي بصابون له مثل رائحة الخنازير الوحشية؛ فلم أستطع لبسه وحملته إليه ووبخته، فما كان منه إلا أن أنكر أن