والاستفادة منه، والأحداث تدعوهم إلى ذلك ولكنهم لا يجيبون. وها هو ذا حادث العدوان (?)، أحبوا أن يدونوا تاريخه، ويعرضوا صوره، ويعرفوا به البعيد النائي، ويذكروا به القريب الرائي، فأجمعوا أمرهم على إخراج (الكتاب الأسود) في وصف هذا الحادث، وسموا له رجالاً، طيبين ممتازين، غير أنهم ليسوا من ذوي الأقلام، ولا من الأدباء، وإن في دمشق (لو كانوا يعلمون) أقلاماً حداداً، إذا اقتضتها الحكومة قطّت بها وقدّت وفَرَت، فإلام تدخر هذه الأقلام إن لم تستلَّ في هذا اليوم الأسود؟ ومن يعرض على الدنيا كلها حديث (الحادث) إذا أهملت هذه الأقلام، ونسيت وتركت تصدأ في أغمادها؟ سيعرضه صحفي بمقالة تعيش ما عاش (العدد) الذي تنتشر فيه، أم موظف بتقرير أسلوبه لعنة للبلاغة في عليائها؟.
ثم استلمنا الجيش وعرضه رئيسنا فكان يوماً أغرّ محجلاً في عمر الشام، فمن يمسك هذا اليوم ألَّا يهوى في وادي النسيان؟ من يحفظ له جلاله وجماله وعظمته غير الأدباء؟ فما لأولي الأمر دعوا له كل قاص ودان إلا أهل الأدب الحق؟ أهل البلاغة، ما دعوهم ولا سألوا عن مكانهم ولا ذكروهم، ولو دعوا أديباً لصنع لهم بمقالة واحدة شيئاً يبقى إذا ذهب كل هذا الذي أعدوه.
وفي كل يوم تنبت أقلام غضة فلا يتعهدها أحد بسقي ولا رعاية فتجف وتموت. وتحطم عواصف الأيام وأرزاؤها أقلاماً متينة كأشجار السنديان طالما أظلت وبسقت فلا يبكي عليها أحد. وتزهر أقلام ثم تؤتي أكلها ثمراً ناضجاً حلواً نافعاً فلا يستبشر بها أحد، ويقولون بعد ذلك: لماذا لا ينتج الأدباء؟ لماذا لا يخلدون أيام الوطن؟ يا ويحكم! إننا والله لا نعرف أيام الوطن إلا على السماع والفضل لنا إذا استطعنا أن نكتب عنها سطراً واحداً.
لقد أردت أن أدخل القلعة غداة يوم الحادث، وأن أجول خلال الحرائق وألج البرلمان، فمنعني جنود لا يعرفونني ولا يفهمون عني بلساني، ولو تركت ألج ورأيت بعيني ما وصفته على السماع لكتبت لكم شيئاً يبكي