نشرت في مصر سنة 1947
لم يعلم أحد لِمَ لَمْ يكتب الصديق النبيل الأستاذ محمود الخفيف في العدد الماضي من «الرسالة»، ولم يعلم هو من الأمر إلا أنه فقد منظاره فجأة، ثم وجده كما فقده فجأة، لم يدر أين ذهب ولا كيف أتى، ولم يعرف سرّ المسألة إلا أنا، لأني سرقت «المنظار» من جيبه لما زارني في «الرسالة» في الأسبوع الماضي، ورددته إلى جيبه لما مرّ بي أمس، وقد كان عرض عليّ أن يعيرنيه لما رأى رغبتي فيه، ولكني خشيت (وسوء الظن عصمة) أن يفسده أو يصنع به شيئا يمنعني من الاستمتاع به، كيلا أعود إلى طلبه منه، فآثرت أن آخذه على حين غفلة منه لأستعمله صحيحاً غير فاسد، ثم إن السرقة أخت الاغتصاب؛ وقد نص (الشاعر) على أن:
من أطاق التماس شيء غلابا ... واغتصاباً لم يلتمسه سؤالا
والشعراء أئمة الأدب، ولا يستطيع «مقلد» مثلي مخالفة نصوص «الأئمة»؛ لذلك سرقت «المنظار»، ولكني لم أرَ به مثل تلك الصور الفنية الكاملة التي كان يراها الأستاذ محمود، وإنما رأيت ... إسمعوا ماذا رأيت.
...
وضعت «المنظار» على عيني، وخرجت به من الدار، وكنت على موعد مع صديق أزور معه جامع محمد علي، وسرت أنظر إلى بعيد، فلم أخط خطوات حتى أحسست برجّة في جسدي، وألم في ركبتي وقدمي، وإذا أنا قد سقطت في حفرة لم أنتبه لها في هذا الطريق الملئ بالحفر عند جسر الملك الصالح.
وأقبل المارة يخرجونني ويسألونني كيف وقعت؟!