- قلنا: فلماذا لا تطلب زيادة؟.

- قال: يضربني عمي (?) أحمد ويطردني، ويخبر زملاءه فلا يشغلوني وأنا لا أعرف إلا هذه المهنة.

- قلنا: وكم يحصل هو؟.

- قال: هُوْ هُوْ ... كثير ... كثير ... عنده عشرة زوارق تمشي النهار كله، كل ساعة أجرتها من عشرة إلى عشرين قرشاً.

وتركناه وصعدنا إلى البر، ونحن لا نزال نفكر فيه: شاب طويل عريض، كيف يعيش مع أمه بخمسة قروش في اليوم؟ والفرّاش والآذن؟ كيف يعيشان بثلاثة جنيهات في الشهر؟ والمؤذن؟ والإمام؟ والشرطي؟ والعسكري؟ ماذا يصنع هؤلاء؟ هل فكر فيهم أحد ممن ولاهّم الله أمر هذه الأمة، وائتمنهم على مالها، وجعل إليهم المنح والمنع، والرفع والوضع؟.

هل ساءل واحدهم نفسه وهو يتخير أطايب الطعام من فوق مائدته ماذا يأكل هؤلاء المفلسون؟.

هل فكر وهو ينتقي بَهيَّ الحلل من خزانة ثيابه ماذا يلبسون؟.

هل خطر على باله وهو يفسد أخلاق أولاده بالترف، ويتلف صحتهم بالسرف، أن لهؤلاء بنين وبنات لا تكفي رواتبهم لسد جوعهم بالخبز القفار، وستر عوراتهم بالخام (?)؟ رواتبهم لا تكفي للطعام والثياب فكيف إذا ولدت المرأة وجاءت نفقات الولادة؟ فكيف إذا مرض الصبي وأقبلت مصروفات العيادة؟ فكيف إذا خطبت البنت وكانت تكاليف الزواج؟ فكيف إذا دخل الأولاد المدرسة وطالبتهم بثمن العلم؟ فكيف إذا اشتهوا أن يتشبهوا بأبناء الناس يوماً، فأرادوا أن يأكلوا الحلوى الحلال أو يطلبوا الملهى المباح؟ أم قد حرمت هذه المتع على الفقراء، وكتب عليهم أن تكون حظوظهم من دنياهم كحظوظ البهائم:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015