أين تلك الأقلام تقول للناس: إن الإسلام جاء يكسر الأصنام وأنتم رجعتم تعبدون أصناماً من لحم ودم، تأكل الخبز والحلوى والذهب وورق النقد (البنكنوت)، وتأكل كل شيء وتهضمه معدها، أصناماً تسمونها زعماء الأحزاب تجدّون وتتعبون ليستريحوا هم، وتَشْقَون. لينعموا، وتنخفضون. ليرتفعوا، وتدفعون إليهم ما كسبتموه بأيديكم الخشنة من العمل، وأنتم تقبّلون أيديهم الناعمة من الكسل، وتمنحونهم كل نعمة، ولا يمنحونكم شيئاً. وإن من بقايا الاستعمار هذه الأحزاب التي لا تتقاتل إلا على أكل لحمكم، وامتصاص دمكم وحكمكم ...
وهذا الأسلوب الأحمق الذي يشترط في معلم المدرسة الابتدائية وكاتب المحكمة الجزئية، شروطاً في نفسه ودرسه، وامتحاناً وتجربة، ولا يشترط في الوزير شرطاً، فكل من أراد الوزارة وسلك سبيلها نالها، ومن نالها يوماً لصقت به (معاليها) إلى آخر أيامه.
ستقولون: وماذا نعمل وهذه سنة المتمدينين في كل بلاد الله؟ نعم هذه سنة المستعمرين، ولكن في بلادهم علماء فلا تلقى وزيراً جاهلاً، وإن فيها شعباً يقظاً وصحافة ساهرة وانتخابات صحيحة وإدراكاً شعبياً، أما الأحزاب، ففي بلد واحد من بلادنا (كمصر مثلاً) أكل مما فيها كلها، وهل في أميركة إلا حزبان: الجمهوريون والديمقراطيون؟ وهل في إنكلترا إلا ثلاثة: الأحرار والعمال والمحافظون؟ فكم حزباً في مصر يا أيها المصريون؟
فإذا كرهتم الاجتهاد، وأبيتم إلا أن تكونوا مقلدين، فقلدوا في المذهب كله، ودعوا التلفيق!
...
وأين هذه الأقلام، تقول للناس: إن ثكنات قصر النيل في القاهرة، ومطار المزة في دمشق، ومعسكر الربانية في العراق، حصون العدو وقلاع المستعمر ما في ذلك خلاف (?)، ولكن للاستعمار قلاعاً أخرى، إن تكن أخفى