غير أننا لا ينبغي أن نتجاهل الخطر الماثل في لباقة اللغة العامية، وصلاحيتها كأداة للتعبير الأدبي فهو إن كان اليوم محدوداً فقد يكون غداً أقوى وقد تصبح أقدر على الأداء الأدبي السامي من الفصحى إذا فتن الشباب المثقف بالإنتاج الفكري باللغة العامية، وعملت أجيال منهم على الارتفاع بها إلى المستوى الأدبي الذي يجعلها لغة فكر وتعبير صحيح». اهـ.

وأفكر ماذا يكون لو فتن الشباب المثقف هذه الفتنة (نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن)، وصار في الدنيا لغة شامية ولغة مصرية ولغة عراقية، ونشأ في كل واحدة منها أدباء وشعراء، كما هي الحال في الفرنسية والإيطالية والإسبانية، وإن بقيت اللغة الفصحى (كما يريد الأستاذ) لغة القرآن والعلماء والمساجد والمعاهد العالية. وماذا يصنع إذن صاحب المطعم الذي كنت آكل فيه أنفاً؟

إنه لا بدّ له من ترجمان، عارف بهذه اللغات، وأقف عليها، متخصص فيها، عالم بدقائقها وسنن أهلها في كلامهم، ليفهم النادل أن الماعون في بغداد هو الطبق في مصر (?)، والصحن في الشام، وأن التشطيف في مصر غسل الوجه واليدين، ولكنه في الشام غسل الـ ... أعني الاستنجاء، وأن الصمّوية في بغداد هي رغيف الخبز الإفرنجي، ويسمى في دمشق الإفرنجوني، ولكنها في تونس اسم لشيء يستحيا من ذكره ولقد حدثني الأستاذ القليبي، رحمه الله، أنه قال لغلام الفندق لما كان في بغداد: هات لي خبزاً طرياً لأني بلا أسنان. فقال له: أجيب لك صمونة؟ فغضب الأستاذ غضبة مغربية وقال: ما تستحي تمزح معي وأنا بقدر جدك. والباجيلّا الفول والتمّن الرز، وأن الـ (هْواية) في العراق، صفة للشيء الكثير، وهي في غوطة دمشق الصفعة على الوجه، وأنك إذا (بسطت) رجلاً في الشام ومصر فقد سررته، وإذا (بسطته) في العراق فقد ضربته، والمبسوط المضروب (عْلقة)، وهي في الشام (فَلَقة)، والتقليع في الشام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015