نشرت سنة 1946
لي أخ (?) كان كلما غشي المدرسة الثانوية رق جسمه ونحل، وعراه ذبول، فأعفيته منها وأبقيته في الدار سنوات ثلاثاً لم ألزمه فيها مطالعة شيء من دروس المدرسة وإنما كنت أدله على بعض كتب الأدب والتاريخ مما لا يثقل عليه ولا ينال من صحته، وما تجزل فائدته وتعظم المنفعة به، فقرأ فيما قرأ تاريخ الطبري كله والأغاني ... فلما أزف موعد امتحان الكفاءة منذ سنتين قلت له: لو دخلت هذا الامتحان معه رفاقك فلعل الله يكتب لك النجاح. فأطاعني واستعد للامتحان شهراً واحداً ثم دخله فكان من الناجحين، على رغم أن الناجحين في تلك السنة كانوا دون الثلث، وعاد إلى مثل ما كان عليه، حتى كان امتحان الشهادة الثانوية (البكالوريا) هذه السنة، فدخله كما دخل الأول ونجح فيه أيضاً.
هذا النجاح الغريب دفعني إلى التفكير في الموضوع الذي أكتبه اليوم، وجعلني أسال نفسي فأطيل سؤالها: ألا يمكن أن نسهل للطلاب هذه الدراسة؟ وإذا كانت هذه الغاية وهي شهادة الكفاءة (والصحيح أن تسمى شهادة الكفاية) تدرك بمسيرة شهر واحد في طريق سهل لاحبٍ، فعلام نمشي إليها ثلاث سنين في طرق صعبة معوجة من ينقطع فيها أكثر ممن يبلغ آخرها؟ أليس لنا بدّ من أن نضيع زهرة شباب أبنائنا في المدرسة لنعلمهم ما لا يكاد ينفعهم في حَيَواتهم، إذا هم خرجوا منها، ولم يقدروا أن يشتغلوا بعده بما يشتغل به العامي الجاهل من أعمال اليد، وأشغال السوق؟ ألا يمكن أن نعلم كل طالب ما ينتفع به ويميل إليه ونعفيه من علوم يكرهها ولا يعتقد فائدتها له في حياته؟
فقالت النفس: لقد أقمت بناءك على غير أساس، وجعلت من هذه