شيئاً يمسّ (حق الضيافة). وربما زارك الزائرون في محل عملك، فشغلوك عنه وأكسبوك غضب رؤسائك، وسخط زملائك.

...

ولقد كان الكرم والشجاعة عماد الأخلاق عند العرب وشعارها وجماع أمرها، لمكان البداوة من حياتهم، فقد كانوا يعيشون في قفار قاحلة وقرى كالقفار، لا فندق فيها ولا مطعم ولا خان، وما للنازح فيها عن داره إلا أن ينزل ضيفاً على كريم يؤويه ويقريه، ولم يكن في بلادهم شرطة ولا نيابة ولا سجن فلم يكن للرجل إلا سيفه يعتصم به، فتعودوا الشجاعة والكرم حتى صار ذلك طبعاً لهم وخلقاً، وبالغوا فيهما وجانبوا القصد، فبلغوا التبذير وقاربوا التهور، وكان عذرهم في ذلك أن الرجل منهم يُطعِم حتى يطعَم، ويقري الطارق الغريب كي يُقرَى هو طارقاً غريباً، واستمر ذلك إلى الإسلام بل لقد بولغ فيه بعده حتى أتى القوم بهذه العجائب التي نقرأ أخبارها في الكتب وانتهى ذلك إلينا فنشأنا على تقديس (حق الضيافة) وتقديمه على سائر الحقوق، ورفعه مكاناً علياً لا يناله النقد ولا التقويم، واتهام من يقول فيه مثل مقالتي باللؤم والبخل. لذلك أقدمت عليها متردداً يدفعني إليها أننا في مطلع حياة جديدة يجب في مثلها تمحيص الأخلاق والعادات وتقويمها والإبقاء على النافع منها وطرح ما لا فائدة منه بعد ما تغير الزمان، ولا يكون ذلك إلا بالخروج من ربقة التقليد الذي لا يفيد. ومنه تقليد أجدادنا الأولين في هذا الكرم القبيح الذي ذمه الله وسماه تبذيراً، وجعل أهله إخوان الشياطين، والقصد في الأمر والتوسط فيه، ووضع الأمور في مطارحها ولو أن حاسباً مستقرياً نظر فيما ينفق عندنا في كل سنة على الولائم والأعراس والمآتم من الأموال لهاله الحساب، ولرأى أن هذه الأموال التي تنفق فيما لا طائل تحته، ولا موجب له إلا التقليد الضار،! يمكن أن ينشأ بها من المدارس والمصانع ما يرفع أمتنا درجات في سلم الارتقاء في آن قريب، فضلاً عما يكون فيه من راحة البال، واضطراد الأعمال، ودفع المكاره التي ذكرت أمثلة عليها في مطلع هذا المقال.

وإذا كانت هذه الحاجة هي التي علمت أجدادنا هذا الكرم، فان حاجة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015