وقد يأتي الضيف ومعه ولده، فيعبث بالكراسي والمناضد ويكسر الكأس، وربما أمره أبوه بأن يتسلى باللعب مع أولاد الدار، فينطلق كالجنّ فيفسد كل ما يمر عليه ويزعج الأهل ويأتي كل كريهة، فإذا زجرته أو كففته أو أفهمت أباه أنه ليس من الذوق ولا من التهذيب أن يحمل ابنه -أعني عفريته- إلى بيوت الناس، أكون قد فرطت في «حقوق الضيافة»!.

وإن كانت وليمة أو عقد ودعوت عشرين رجلاً، جاؤوك ومعهم عشرون ولداً فتنقلب الدار إلى مدرسة أو إلى مارستان ويتحول المضيف إلى معلم أو قاضي أولاد، وقديماً قال المثل العامي: «قاضي الأولاد شنق نفسه» ... فإذا وقفت على الباب خادماً يمنع دخول الأولاد، غضب الآباء المدعوون، وانصرفوا ساخطين على هذا الذي لا يعرف «حقوق الضيافة»!.

وقد يكون لك عدو تعرَّض لك بأنواع الأذى، وأراك فنون العدوان ثم نشأت له حاجة عندك، فزارك في دارك، وأبى أن يشرب قهوتك حتى تقضي حاجته، وربما كانت حاجته أن تنجح ابنه في الامتحان ... فإذا قضيتها خنت أمانتك .. وإن أبيت عليه وأعرضت عنه، وأفهمته أن الامتحان أمانة، وأن ابنه ضعيف كسلان لا يجوز نجاحه، كنت الملوم المعاتب، لأنك لم تحفل «بحقوق الضيافة»!.

...

والضيف يزورك حينما يحلو له لا حين يحلو لك، ويبقى ما طاب له البقاء عندك، ولا شأن له بفراغك ولا بشغلك، ولا بضيق وقتك ولا بتعب أهلك ففي الغداة تجوز الزيارة، وفي الضحى وعند الزوال ساعة الغداء وفي الظل وقد الراحة، وفي الأصيل وفي الليل. وقد يصل الزائر هذه الأوقات كلها بعضها ببعض، فيشرفك بزيارته من الصباح ويلبث (يؤنسك) إلى وقت المنام، وقت منامه هو لا منامك أنت، وربما زارك أقرباؤك، أو أقرباء أقربائك بنسائهم ورجالهم وأطفالهم؛ وأقاموا عندك (صلة للرحم) أياماً وليالي، ونغّصوا عليك عيشك، وأفسدوا نظام دارك، وأنت مضطر إلى السكوت لا تستطيع أن تقول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015