نشرت سنة 1939
ألم يأنِ لكم أن تخشع قلوبكم، وتلين أفئدتكم أفَقُدّت من حجر؟ ألا تكلفون نفوسكم تحريك أجفانكم وفتح عيونكم لتروا صرعى البؤس، وضحايا الفاقة، ماثلين لكم في كل سبيل. فتأخذكم بهم رحمة الإنسان، وتعرو قلوبكم لهم رقّة المؤمن؟ إني لأحاول أن أفهم كيف تزينون لأنفسكم حالكم، وتبررون إهمالكم، فلا أستطيع .... لا أستطيع أن أتخيَّل كيف يهنأ صاحب القصر بطعامه وشرابه، وكيف يدلل صبيته، ويضاحك عياله وعلى عتبة قصره وتحت شبابيكه صبية مثلهم برءاء ما جنوا ذنباً، أطهار ما كسبت أيديهم إثماً، يبكون من الجوع ويشتهون قطعة من الرغيف الذي يلقيه الغني لكلبه السمين، يتمنون ويتمنى آباؤهم قرشاً من الجنيه الذي يرميه الغني في الهاوية الخضراء التي يسمونها (مائدة القمار) أو يذيبه في كأس السمّ التي يدعونها (الشمبانيا) ثم يخرج جنيهاً غيره بعد لحظة ليتبعه الأول، ويتبع به عشرات ... يتمنون هذا القرش الواحد ليعيشوا به يوماً، ويملؤوا به بطونهم خبزاً، فكيف تضنون على الإنسان المسكين بالقرش، وتنفقون الألوف على الشيطان، وعلى خراب الأبدان والأوطان والأديان؟.
إننا نقرأ في الصحف من أنباء أوروبة وأميركة أدت أغنياء القوم لهم مآثر وعطايا ولهم في كل مكرمة السهم الراجح والقِدْح الأعلى، ونسمع فيهم من يعطي العطيّة وهو مستتر مستحٍ لا يحب أن يدعى باسمه، وإنما يتسمى من التواضع والحياء بـ (تفاعل الخير) ... فما لأغنيائنا الذين يقلدونهم في عيونهم ومثالبهم، لا يتشبهون بهم في مزاياهم وفَعالهم؟ وما لأغنيائنا (?) دون أهل