وأيقن إذ ماتا بجوع وخيبة ... وقال له الشيطان إنك عائل480
فطوف في أصحابه يستثيبهم ... فآب وقد أكدت عليه المسائل481
إلى صبية مثل المغالي وخرمل ... رواد، ومن شر النساء الخرامل482
فقال لها: هل من طعام فإنني ... أذم إليك الناس، أمك هابل483
فقالت: نعم، هذا الطوي وماؤه ... ومحترق من حائل الجلد قاحل484
فلما تناهت نفسه من طعامه ... وأمسى طليحًا ما يعانيه باطل485
تغشى، يريد النوم، فضل ردائه ... فأعيا على العين الرقاد البلابل486
ومع انتشار الفقر والبؤس بين الجاهليين، فإن الواحد منهم كان إذا نزل به ضيف بذل كل ما في وسعه ليقدم له القرى ويوفر له جميع أسباب الراحة والاطمئنان، وعند ذلك يشعر المضيف بسعادة غامرة ورضا نفسي عميق.
ومن خير ما ورد في هذا أبيات منسوبة إلى الحطيئة يصف فيها حال أعرابي فقير يعيش في عزلة ويشد الخرق على بطنه من الجوع، ومعه زوجه وأولاده، حفاة عراة، في غاية الهزال، كأنهم أشباح، وفاجأه ضيف فانتابه الهم والضيق والألم لأنه لا يوجد قرى له، فهم أن يذبح ابنه حتى لا يسيء الرجل الظن به، ثم فرج الله كربته بصيد سمين، فغمرته الفرحة والبهجة، وباتوا جميعًا في سعادة، لما قاموا به من واجب الضيافة.