قليلون، وفيها الأعداء من الحيوان والإنسان، فيها اللصوص وقطاع الطرق والمغيرون، والحيوانات الضارية والمفترسة فخيم عليها الرعب والرهبة، وكان يتملك السائر فيها الخوف والفزع، فكانوا لهذا يفخرون ويمدحون بتلبية الداعي، وإغاثة المستغيث، ونجدة المكروب، وحماية اللاجئ، وتأمين الخائف، ومد يد العون عن طيب خاطر وسرور للضعفاء والمحتاجين.
ومما قيل في تصوير الفقر والبؤس بين الجاهليين ما جاء في أبيات للمزرد474 يتحدث فيها عن صياد يعيش في شقاء، له أكلب هزيلة، وعيال جياع، وليس في بيته شيء، ولا يجد ما يسد رمقه، فأخذ يطوف بأصحابه لعله يجد عندهم شيئًا من القوت، ولكن خاب أمله، وسدت أمامه جميع الطرق، حتى أعيته الحيل، فعاد إلى بيته وكان فيه صبية في غاية الهزال من الجوع، وامرأته الحمقاء السليطة اللسان، فقال لها: هل لديك طعام، ثكلتك أمك!! فإني لم أجد في الناس خيرًا. فقالت له: نعم، هذا البئر وماؤه، وهذا الجلد اليابس المحترق. فسقط من الإعياء والضعف، وجر على جسمه بقايا ثوبه يحاول أن ينام، ولكن النوم استعصى عليه فقد طرده عنه ما استولى عليه من الهم والغم وضيق النفس. وذلك في قوله:
فعد قريض الشعر إن كنت مغزرًا ... فإن غزير الشعر ما شاء قائل475
لنعت صباحيٍّ طويل شقاؤه ... له رقميات وصفراء ذابل476
بقين له مما يبرى، وأكلب ... تقلقل في أعناقهن السلاسل477
سحام ومقلاء القنيص وسلهب ... وجدلاء والسرحان والمتناول478
بنات سلوقيين كانا حياته ... فماتا فأودى شخصه فهو خامل479