فمن أرمه منها ببيت يلح به ... كشامة وجه، ليس للشام غاسل206

كذاك جزائي في الهديِّ وإن أقل ... فلا البحر منزوح ولا الصوت صاحل207

ويلاحظ في الهجاء أنه وإن كان مثيرًا، فإنه على العموم عفيفًا فلم يكن بصفة عامة مقذعًا، ولم ينزل إلى الحضيض أو السب الجارح.

وإذ حدث من الأقارب ما يستحق المؤاخذة، فإنه يوجه اللوم أو التوبيخ، وكان أسلوبه أقل عنفًا من هجاء الأجانب، وأحيانًا كان يقال في أسلوب التلميح أو التعريض لا التصريح، كالأبيات التي تنسب إلى سعد بن مالك في حرب البسوس، وفيه دعاء عليهم أن يجازيهم الله بفعلتهم وما ارتكبوا ضد قومهم وعشيرتهم.

وأشد ما يكون الهجاء عنفًا عندما يكون ردًّا على منتصر، أو هجاء سابق208.

وكان الوعيد يقال بصيغة قوية ملتهبة تؤكد التصميم على تنفيذه وبخاصة إذا كان للأخذ بالثأر.

وفي التهديد بالشعر بيان لقوة الشعر وعمق تأثيره في نفوسهم.

وكان الشاعر يستشيط غضبًا عندما يعلم أن العدو يدبر الأمور لشن القتال ضد قومه، فيسرع الشاعر إلى تنبيه قومه، واستثارة حميتهم، لكي يعدوا العدة للقاء أعدائهم ورد كيدهم في نحورهم، وإذا كان بعيدًا عنهم أرسل إليهم سرًّا على عجل منذرًا ومستثيرًا، كما كان من لقيط بن يعمر الإيادي، فقد كان كاتبًا في ديوان كسرى، فعلم أنه مجمع على غزو إياد، فكتب إليهم شعرًا ينذرهم به، فوقع الكتاب بيد كسرى، فقطع لسان لقيط، وغزا إيادًا. فمما كتبه لقيط في ذلك قوله209:

بل أيها الراكب المزجي مطيته ... إلى الجزيرة مرتادًا ومنتجعا210

طور بواسطة نورين ميديا © 2015