في حرور ينضج اللحم بها ... يأخذ السائر فيها كالصقع9
وتخطيت إليها من عدى ... بزماع الأمر والهم الكنع10
وفلاة واضح أقرابها ... باليات مثل مرفت القزع11
يسبح الآل على أعلامها ... وعلى البيد إذا اليوم متع12
فركبناها على مجهولها ... بصلاب الأرض فيهن شجع13
وشاعرنا هذا في حديثه عن بعد حبيبته يقول: إن بينه وبينها قفارًا كثيرة، مترامية الأطراف، يلمع فيها السراب، حين يشتد الحر، وتهب الريح فيها ساخنة، وتكاد شدة الحرارة تنضج اللحم، وتصيب من يسير فيها بضربة شمس توشك أن تقضي عليه، وهذه المهامه الواسعة مملوءة بالأعداء الذين لا بد لاتقائهم من أخذ الحيطة، والاستعداد لملاقاة الخطر، وتلك القفار الشاسعة كلها مرتفعات ومنخفضات ومتعرجات، ومعالمها بالية لا يستطيع السائر أن يهتدي بها، ويغطي هضابها ووديانها السراب حين ترتفع الشمس، وتزداد اللهفة للشرب من شدة العطش، مما يجعل السفر في منتهى المشقة والألم، ولكن المضطر لا بد له من تجشم الصعاب، وتعسف السير في مجاهل مسالكها وأعلامها.
وهذه الصحراء الواسعة النائية الجهات، مملوءة بشتى الظواهر الطبيعية التي تتعاورها على اختلاف فصول السنة، تبعًا للارتفاع والانخفاض، ولئن كان الحر بها شديدًا في الصيف، فهناك بعض الأمكنة تهطل فيها الأمطار المصحوبة بالبرق والرعد، وبخاصة في أعالي الجبال، ومما قيل في ذلك ما ورد لامرئ القيس، إذ يقول14: