كما يروى أن ابن الأعرابي لما بعث إليه أبو أيوب أحمد بن محمد بن شجاع غلامًا من غلمانه يسأله المجيء إليه، عاد إليه الغلام، فقال: قد سألته ذلك، فقال لي: عندي قوم من الأعراب فإذا قضيت أربي معهم أتيت. قال الغلام: وما رأيت عنده أحدًا إلا أني رأيت بين يديه كتبًا ينظر فيها، فينظر في هذا مرة، وفي هذا مرة18.

وقال ابن السكيت عن أبي عمرو الشيباني: مات أبو عمرو الشيباني وله مائة وثماني عشرة سنة، وكان يكتب بيده إلي أن مات، وكان ربما استعار مني الكتاب وأنا إذ ذلك صبي آخذ عنه وأكتب من كتبه19.

ويقولون عن اختيار أبي تمام لديوان الحماسة إن الثلج عاقه عن السفر وكان في العراق، فاستضافه أبو الوفاء بن سلمة، وأحضره خزانة كتبه فطالعها واشتغل بها، وصنف خمسة كتب في الشعر، منها كتاب الحماسة، والوحشيات20.

ثم إن التصحيف نفسه يدل على وجود الكتب المؤلفة في الأدب، كما أن الأخبار قد وردت بوقوع بعض أئمة الرواة في التصحيف، هذا معناه أنهم كانوا بجانب الأخذ مشافهة كانوا يأخذون كذلك من الكتب، رغبة في ازدياد المعرفة، وسعة أفق الرواية، ومما يروى في هذا الشأن ما حدث من الأصمعي إذ يقول أبو حاتم السجستاني: "قرأ الأصمعي على أبي عمرو بن العلاء الحطيئة، فقرأ قوله:

وغررتنى وزعمت أنّـ ... ـك لابنٌ بالصيف تامر

أي كثير اللبن والتمر، فقرأها. "لا تنى بالضيف تأمر" أي لا تتوانى عن ضيفك تأمر بتعجيل القِرى له. فقال له أبو عمرو: أنت والله في تصحيفك هذا أشعر من الحطيئة21.

وأخبار التصحيف كثيرة، وقد ألفت فيه كتب، منها: التصحيف والتحريف للعسكري، والتنبيه على أغاليط الرواة للبصري.

ولعل الخوف من الوقوع في التصحيف هو الذي جعل الرواة يعتمدون اعتمادًا كليًّا على الأخذ مشافهة، ويتحاشون الأخذ مباشرة من الكتب لأنه عرضة للتحريف، خصوصًا قبل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015