فهذا قد خَيّل إلى السامع أن الكريم، إذا كان موصوفًا بالعلو والرفعة في قدره، وكان الغني كالغيث في حاجة الخلق إليه، وعظم نفسه وجب بالقياس أن ينزل عن الكريم نزول ذلك السيل عن الطود العظيم، ومعلوم أنه قياس تخييلي، وإبهام لا تحصيل وإحكام، فالعلة في أن السيل لا يستقر على الأمكنة العالية، وإن المال سيال لا يثبت إلا إذا حصل في موضع له جوانب تدفعه عن الإنصاب، وتمنعه من الانسياب، وليس في الكريم والمال شيء من هذه الخلال:" 1.
ويعقب بقوله: "مع أن الشعر يكفي فيه التخييل والذهاب بالنفس إلى ما ترتاح إلى من التعليل 1: ويفسر الإمام المعنى المشترك والخاص بتفسير أوضح. من التفسير السابق ويرى أن الشاعرين لا يعدو اتفاقهما في أحد أمرين.
أولهما: أن يتفقا في الغرض العام والمعنى المشترك كالشجاعة والسخاء، وهذا لا يقع فيه الأخذ والسرقة والاستعداد والاستعانة يقول: "والاشتراك في الغرض على العموم أن يقصد كل واحد منهما، وصف ممدوحه بالشجاعة والسخاء أو حسن الوجه والبهاء، أو وصف فرسه بالسرعة وما جرى هذا المجرى ... فأما الإنفاق في عموم الغرض فما لا يكون الاشتراك فيه داخلًا في الأخذ والسرقة والاستمداد والاستعانة، لا ترى من به حس يدعى ذلك، ويأبى الحكم بأنه لا يدخل في باب الأخذ 2.
وهذا ما يسميه الإمام بالمشترك العامي، والظاهر الجلي، ولا يدخله التفاضل ولا يقوم به التفاوت، ما دام صريحًا ظاهرًا ساذجًا، لا حذق فيه، ولا تعمل وإفراغ بحث.
أما إن تعمل في المعنى العامي المشترك، أو عرضه إليه معنًى آخر، أو استولد لطيفه، أو أدخله في باب الكناية والتعريض. أو عرضه في صورة الزمن والتلويح فقد لبس طريقة جديدة وصورة لطيفة، ومعرضًا حديثًا، ودخل في دائرة الخاص، لأنه كثيرًا ما تدبّر فيه وتأمَّل يقول الإمام: واعلم أن ذلك الأول هو المشترك العامي والظاهر، والجلي، والذي قلت: إن التفاضل لا يدخله والتفاوت لا يصح فيه، إنما يكون كذلك منه، ما كان صريحًا ظاهرًا، لم تلحقه صنعه، وساذجًا لم يعمل فيه نقش فأما إذا ركب