ابن شرف القيرواني والصورة الأدبية:
يفضل ابن شرف المعنى على اللفظ، ويقدَّمه عليه، فمرجع الجمال في العبارة، ومجال الروعة في الصياغة، يكون في المعنى، ثم يأتي بعد ذلك اللفظ، فهو دونه في المرتبة والدرجة، فإن كان المتفي رائقًا، فلا عليه أن يقع في لفظ رائق بارع. ولا يعتمد إلا بالمعنى الذي يسكن اللفظ، أي: لفظ يقول:
فإن كان "أي المعنى" في البيت ساكنًا، فتلك المحاسن، وإن كان خاليًا فاعدده جسمًا باليًا"1
الإمام عبد القاهر الجرجاني 2:
وبعد الشوط الطويل يأتي فارس الميدان، وأستاذ النقد العربي القديم الإمام القاهر، ويصلنا وهو في القرن الخامس الهجري بما انتهى إليه النقد الحديث في القرن الخامس عشر، في توضيح معالم الصورة الأدبية.
ولا يظن القارئ الكريم أن من ذكرتهم قبل الإمام من النقاد العرب ليسوا هم وحدهم الذين تكلموا في اللفظ والمعنى، وما تفرع عن ذلك من النظم والصورة. بل هناك غيرهم كثيرون منهم الصاحب بن عباد، والمرزوقي وغيرهما، وكذلك فعل جار الله الزمخشري بعده، وغيره مما سار على نهج ما ذكرت من فهمهم للصورة وتحليلها ونقدها. مما جعلني أستقصي في نمو وتحليل، وتفصيل وموازنة واستنتاج كل المراحل التي مر بها مفهوم الصورة الأدبية، وذلك ما دعاني إلى الاكتفاء بأشهر الأعلام في النقد القديم. على أن الإمام عبد القاهر، يكفي عمن ذكرتهم، ومن لم أذكرهم، لسعة ثقافته، وفرط ذكائه، فقد أفاد من هؤلاء جميعًا حتى انتهى إليه القول في النظم والتصوير الأدبي قديمًا.