خاتمه فإنه لم يرد للتسوية بين الوقولين في القدر والزمان والصورة، وإنما يريد: لأقفن وقوفًا زائدًا على القدر المعتاد، خارجًا عن حدِّ الاعتدال، كما أن وقوف الشحيح يزيد على ما سعرف في أمثالهن وما جرت به العادة في أضرابه".
والقاضي يرى أن الصورة لا عيب فيها، لأن الشاعر يقصد في تصوره وقوف المحب وغيبوبته في ذكريات الحبيب، واقفًا في جنبات الأطلال، إنه وقوفه خارج عن المألوف، وكذلك الشأن في وقوف الشحيح في هذه الصورة، فهو يخرج عن عادة الناس، وإن أشار إلى الصورة بسرعة، ولم يقف عندها كثيرًا على عادة النقادة في عصره.
وأنا مع القاضي في هذا، بل إن المتنبي أحكم صوره الصبّ، وأتقنها غاية الإتقان لأن البخيل يفني كله في سبيل جمع الأموال، وتراه في حرصه يبحث عنه كالمجنون ويقوم بحركات غريبة وتصرفات، متتابعة، ويقلب اليدين ويحرك الرجلين ويتابع النظرات ويستقصى كل جزئية حوله، ويعاود ويطاول ويجاهد من غير ملل ولا سأم ويصرعلى ذلك حتى يجد بغيته، وينال طلبته.
وكذلك الشأن في المحب المقيم، حيثما يقف بطلل حبيبه، ومنازل ذكرياته الخوالي مشدوها مأخوذًا، غائبًا عن نفسه وعن الوجود كله، إلا في هذه الذكريات ومع تلك المنازل والأطلال.
أبو هلال العسكري والصورة الأدبية:
يتعصَّب أبو هلال للفظ، ويتعقَّب خطوات الجاحظ فيه، فينقل عباراته. كاملة في تفضيل الصياغة، وإنها موطن الجمال وحده فيقول: