سادسًا:

وفي مجال التطبيق لفهمه الواعي للصورة نذكر شاهدًا ومثلًا واحدًا، لبيان مدى إدراكه لمفهومهما أولًا. وذوقه الأدبي في فهمه للصور الشعرية ثانيًا. فيقول في نقد صورة أبي تمام، القائل فيها:

بيضاء تسري في الظلام فيكتسى ... تورًا وتبدو في الضياء فيظلم

ملطومة بالورد أطلق طرفها ... في الخلق فهي مع المنون محكم

وقوله ملطومة بالخدّ يريد حمرة خدّها، فلو لم يقل مصفوعة بالقار؟ يريد سواد شعرها، ومخبوطة بالشحم يريد امتلاء جسمها، ومضروبة بالقطن يريد بياضها، إن هذا الأحمق ما يكون من اللفظ وأسخفه وأوسخه، وقد جاء مثل هذا في كلام العرب، ولكن بوجه حسن، قال النابغة "مقذوفة بدخيس اللحم" يريد أنها قذفت بالشحم، أي كأنه رمي على جسمها رميًا، وإنما ذهب أبو تمام إلى قول أبي نواس: "وتلطم الورد بعضاب" وهذه كانت تلطم في الحقيقة في ماتم، على ميت بأنامل مخضوبة الأطراف، فجعلها عنابًا تلطم به وردًا، فأتى بالظرف كله، والحسن أجمعه والتشبيه على حقيقته، وجاء أبو تمام بالجهل على وجهه والحمق بأضره، والخطأ بعينه" 1.

وفي نقده لصورة أبي تمام، يتجلَّى فهمه للصورة الأدبية، لأنه يكشف بذوقه الأدبي الرفيع عن وجه الخطأ فيها، وأن على الشاعر تجنّب مثل هذه الأخطاء حتى تصح له الصورة، وتعلم جودتها، وأن لكل لفظ له معنى، وكل فكرة تخضع لصورة تتناسب معها، فالمقام في بيتي الشاعر هو مقام المدح، والمعنى الذي كسته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015