بين الكلم وهي تلاؤم الصورة أو التركيب، مع المقام والغرض الذي يهدف إليه الشاعر فيقول:
"وينبغي للمتكلم أن يعرف أقدار المعاني، ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين، وبين أقدار الحالات، فيجعل لكل طبقة من ذلك كلامًا، ولكل حالة من ذلك مقامًا، حتى يقسم أقدار الكلام على أقدار للمعاني، ويقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات، وأقدار المستمعين، على أقدار تلك الحالات، فإن كان الخطيب متكلمًا، لم يتجنب ألفاظ للمتكلمين، كما أنه إن عبَّر عن شيء من صناعة الكلام واصفًا أو مجيبًا أو سائلًا، كان أولى الألفاظ به ألفاظ المتكلمين، إذ كانوا لتلك العبارات أفهم، وإلى تلك الألفاظ أميل، وإليها أحسم، وبها أشغف ".
وعالم البلاغة عندنا يسمع حديث بشر يحكم عليه هنا بأنه لا يصلح إلا لمطابقة الكلام لمقتضى الحال، لارتباطه القوي بالبلاغة، ولا يمت للصورة الأدبية إلا بأدنى ملابسة، والحق أن كلام بشر السابق وما قبله لا يستطيع أحد ألا يلحقه بعلم البلاغة فحديثه وثيق الصلة بها، وينبغي أن يدخل في باب الصورة الأدبية، لأن الغرض من التصوير هو التأثير في النفس بحيث يسيطر على العقل والمشاعر، وهذا التأثير للصورة لا يتمّ ولا يقوى إلا إذا اتفقت مع الحالة التي تعبر عنها، في المقام الذي يبرزه الشاعر للصور مثل قول ابن الرومي في "النقيل البارد":
يا أبا القاسم الذي ليس يدري ... أرصاص كيانه أم خلايد
أنت عندي كما يثرك في الصيف ... ثقيل بعلوّه برد شديد
وأجزاء الصورة هنا تبرز معالم الثقل في شخص أبي القاسم، فهو ثقيل النفس عديم الحركة ناقد الإنسانية، ميت الشعور، بارد العاطفة، كالرصاص أو الحديد